Submit your work, meet writers and drop the ads. Become a member
Mar 7 · 172
احا
ALI Mar 7
في هذا العالم الذي نعيش فيه، يبدو كل شيء مشوشًا، كما لو أننا عائمون في بحر من الفوضى الرقمية. لا نرى سوى ظلال لأنفسنا، تتراقص على شاشات لا تنتهي، نحاول أن نلتقط فكرة، شعورًا، أو حتى معنى. لكن، ماذا لو كانت هذه الظلال هي كل ما نعرفه عن أنفسنا؟
نحن الآن في حالة من الاستهلاك المستمر، لكن هذا الاستهلاك ليس ماديًا فقط، بل فكريًا وثقافيًا أيضًا. نحن نتغذى على خوارزميات تظن أنها تعرفنا، تظن أنها تقترب منا، لكنها تبتعد أكثر فأكثر. تخلق لنا واقعًا موازيا لا نعرف كيف نخرج منه، واقعًا يُشَكّل رغباتنا وأفكارنا وكأنها مفروضة علينا.
هل شعرت يومًا بأنك لست أنت؟ أن هذه الشخصية التي تظن أنك تعيشها، هي مجرد انعكاس لما استهلكته من كل ما حولك؟ شخصياتنا تتكون من تجاربنا، لكن ماذا لو كانت هذه التجارب مجرد صور زائفة؟ تجارب مكررة، لا تحمل الفروقات الحقيقية. نعيش اللحظات نفسها، نتأثر بالأشياء نفسها، لكن هل تغيرت شخصياتنا حقًا؟ أم أننا مجرد نسخ مشوهة من بعضنا البعض؟
الحياة في هذا العصر أصبحت أشبه بمسار متاهة، أعمق وأعمق، لكن لا نهاية لها. نحن نركض وراء الأفكار، نبحث عن الرغبات، ومع كل خطوة، نغرق أكثر في هذه الدوامة الرقمية. هل نحن من نصنع هذه الرغبات، أم أن هذه الخوارزميات هي من تزرعها فينا، وتُصممها على قياسنا؟
أحيانًا، أتساءل: هل أفكاري حقًا ملكي؟ أم أنها مجرد أصوات استلهمتها من هذا الزمان الرقمي؟ هل أحب اللون الأسود؛ لأنه يعكس جزءًا مني، أم أنه ببساطة أحد الألوان التي سلبتني إياها هذه الشبكات؟
هل أنا موسيقار أم مجرد صورة لشخص يواجه هذه الأمواج المتلاطمة من "المحتوى"؟ هل نحن نتبع شغفنا أم أننا نحاول فقط أن نكون جزءًا من العرض، جزءًا من تلك اللعبة التي لا تنتهي في هذا العصر الذي يتسارع بشكل غير طبيعي؟
عندما أتأمل كل هذا، أشعر بأنني غريب عن نفسي. أبحث عن نفسي في كل شيء، ولكنني لا أجد سوى ظلال. كلما حاولت أن أكون الأفضل، شعرت بأنني أبتعد أكثر. هل هذا يعني أنني لست كما أعتقد؟ هل هذه الشخصيات التي أعيشها هي ما يجعلني أنا؟ أم أنني فقط موجود في قلب هذه الفوضى؟.

الصراع النفسي بين الرغبة والخوارزميات
في عالم السوشيال ميديا، حيث تُحدد تفضيلاتنا وتوجهاتنا بما تراه الخوارزميات الأكثر جذبًا، يصبح السؤال الأكثر إلحاحًا: هل أنا أختار ما أحب حقًا، أم أن المواقع هي التي تختار لي ما يجب عليّ أن أحبه؟ كلما تصفحت منصات مثل إنستغرام، تيك توك، وفيسبوك، تزايدت تلك اللحظات التي أشعر فيها أنني لست في المكان الذي أريد أن أكون فيه. تدفعني الخوارزميات باستمرار نحو صور وفيديوهات وحملات تريندات يتداولها الجميع، وتغرقني في دوامة من الصور التي يجب عليّ أن أتبعها، إذا أردت أن أكون جزءًا من هذا العالم الرقمي.
لكن هل هذه الرغبات التي تتولد في داخلي هي حقًا ما أريده؟ أم أنني فقط أتبنى ما تفرضه هذه الخوارزميات على عقلي؟ في كل مرة أضغط فيها على زر الإعجاب، أو أشارك محتوى، يأتي ذلك الشعور المزعج بأنني لا أؤثر في اختياراتي كما كنت أظن. مع كل "تريند" جديد يظهر على منصات السوشيال ميديا، يبدأ عقلي في التفكير بشكل مختلف. هل أنا حقًا أحب هذا النوع من الموسيقى أو الموضة أو حتى الأفكار التي تنتشر؟ أم أنني فقط تأثرت بما أراه في هذه التطبيقات التي تضعني في دوامة من الصور والمحتوى الذي يعكس ما يعتقد الجميع أنه "يجب أن يعجبني"؟
ومع مرور الوقت، تبدأ الحدود بين ما هو "أنا" وما هو مفروض عليّ من هذه الخوارزميات في التلاشي. أتساءل: هل أنا الشخص الذي اخترت أن أكونه، أم أنني مجرد نسخة من كل ما غُرِس في عقلي عبر هذه المنصات؟ هل حقًا يعبر ما أشاركه مع العالم عن شخصيتي الحقيقية، أم أنني أؤدي دور يلائم الصورة التي فرضتها عليّ تلك المواقع؟
هنا يظهر الصراع الداخلي. جزء مني يشعر أنه يتبع ميوله الخاصة، لكن الجزء الآخر يعرف أن هذه الميول ليست بالضرورة اختياراته الحقيقية. تصبح هذه الصراعات أكثر وضوحًا كلما اقتربت من مفترق الطرق بين ما أريد أن أكونه وما تريده الخوارزميات لي. في نهاية الأمر، هل سيكون لدي الشجاعة لأتحرر من هذه الأنماط التي يفرضها عليّ هذا الفضاء الرقمي، وأختار طريقي الخاص؟ أم أنني سأظل محاصرًا في لعبة الصور والتفاعلات التي تتحكم فيها الخوارزميات، حتى تصبح هي من تحدثني؟... في نهاية الأمر، هل سيكون لدي الشجاعة لأتحرر من هذه الأنماط التي يفرضها عليّ هذا الفضاء الرقمي، وأختار طريقي الخاص؟ أم أنني سأظل محاصرًا في لعبة الصور والتفاعلات التي تتحكم فيها الخوارزميات، حتى تصبح هي من تحدد ني؟ لكن ماذا لو كانت هذه الخوارزميات تعكس ما أريده في أعماقي؟ هل أستطيع أن أفرّق بين ما هو حقيقي بالنسبة لي؟ وما هو مجرد استجابة لما يعرضه العالم الخارجي؟ وهل يمكن أن تكون رغبتي في متابعة “الترندات” هي في الواقع رغبة حقيقية أم مجرد امتثال لما أراه أمامي؟
وإذا كنت أتبع ما يفرضه الآخرون، هل أنا بذلك أفقد نفسي؟ أم أنني في الواقع اتكيف مع العالم الذي أعيش فيه، فهل هذه هي الطريقة التي يجب أن أكون عليها؟ أحيانًا، يبدو أنني أعيش في متاهة من الخيارات المتناقضة: هل أترك هذه التطبيقات التي تستهلكني؟ أم أنني يجب أن أظل موجودًا هناك؛ لأن العالم اليوم لا يمكنه العيش دون هذه الفضاءات؟ هل يمكنني فعلاً أن أكون "أنا" في هذا المكان، أم أنني في الأساس مجرد صورة رقمية متداولة؟
ثم، لماذا أشعر بالحاجة المستمرة لمقارنة نفسي بالآخرين؟ هل لأنني فعلاً بحاجة إلى المقارنة؟ أم أن هذه الخوارزميات تعلمت كيف تغذي هذا الشعور في داخلي؟ لماذا أصبحت كل لحظة، وكل فكرة تتحول إلى منافسة، إلى سباق مع الزمن، إلى شيء يجب أن أظهره للعالم؟
أحيانًا ألتقط لحظات من الوضوح، وأشعر أنني قد اكتشفت الطريق، لكن في اللحظة التالية، تتسلل الأفكار المتناقضة مجددا: هل أنا فقط أتبنى ما هو رائج، أم أنني ببساطة أختار ما يناسبني في تلك اللحظة؟ هل هذه أفكار حقيقية أم أنني تأثرت بما يقال لي؟ هل أحتاج إلى هذه الضغوط الخارجية لأعيش؟ هل أنا شخص مستقل أم أنني مجبر على الانخراط في هذه الدوامة؟
أتراءى لي في كل زاوية من زوايا هذا العالم الرقمي أفكار جديدة، واختيارات مختلفة، وشكوك تلو الأخرى. هل ما أعيشه هو حياتي حقًا، أم أنني مجرد متفرج على عرض مستمر لا أستطيع الهروب منه؟ هل يمكنني أن أكون شخصًا حقيقيًا في هذا العالم المليء بالخيارات المعلبة، أم أنني مجرد دمية في يد الخوارزميات التي تصوغني وفقًا لما يرونه مناسبًا؟
وبينما تواصل التفاعل مع هذه المواقع، تزداد الأسئلة: ماذا إذا توقفت عن المشاركة؟ ماذا لو تركت الهاتف جانبًا؟ هل سأشعر بالراحة، أم أنني سأشعر بالفراغ، لأنني أصبحت جزءًا لا يتجزأ من هذا الكائن الرقمي الذي يتغذى على الإشعارات والتفاعل المستمر؟
كل خيار أقدمه يولد تساؤلات جديدة. كل خطوة تقربني من الإجابة تجعلني أدور في حلقة مفرغة. هل أنا "أنا"؟ أم أنني انعكاس لما يُعرض عليّ؟ كيف أستطيع أن أميز بين ما هو حقيقي وما هو مفروض عليّ؟
كثير من الأسئلة، ألم في رأسي، تعقيد لا يطاق. هل أنا "أنا" حقًا؟
هكذا يبدأ الصراع الداخلي الذي يعصف بالعقل في كل لحظة، وفي النهاية لا تجد إجابة واضحة. ولكن في الواقع، هذا الاضطراب ليس فقط صراعًا بين الذات والآخرين، بل هو انعكاس لمتلازمة قديمة تُدعى "متلازمة المحتال". هذه المتلازمة التي تجعلنا نشك في جدارتنا في كل لحظة، حيث نظن أننا لا نستحق المكان الذي وصلنا إليه، وأننا مجرد دمى تتحرك وفقًا للمعايير التي فرضها علينا المجتمع.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، لأن هذا التردد في الثقة بالنفس يضيع في فوضى أكبر بكثير. تتحول كل لحظة من حياتنا إلى تساؤل عمّا إذا كنا نستحق ما نملك، هل هذه حياتنا حقًا أم أننا فقط نؤدي دورًا فرضه علينا العالم؟ من أين جاءت هذه القناعة بأننا لا نملك الحق في أن نكون كما نريد؟ ألا نرى أننا، في نهاية الأمر، نرتدي أقنعة؟ أعيادنا، أفراحنا، حتى لحظات الفشل؛ كلها محكومة بما يظنه الآخرون منا.
اللوم الآن ليس موجهًا نحو النفس فقط، بل نحو العالم الذي خلق هذا التوتر. لقد حاصرنا أنفسنا في دائرة من الفشل والشعور بالانعدام، وليس لأننا غير قادرين، بل لأننا تربينا على فكرة أن النجاح هو أن نكون مثل الآخرين. فما الذي يميزنا عنهم إذا كنا فقط نكرر ما يفعله الجميع؟ هذا المجتمع هو الذي زرع فينا فكرة أن النجاح لا يكون إلا بتطابقنا مع معايير محددة، وعندما نخرج عن هذا النمط، نشعر وكأننا لسنا جزءًا من هذا النظام. ولكن هل كان هذا خيارنا؟ أم كان فرضًا من الخارج؟
فلم العالم! فلتهدم هذه الصور النمطية التي فرضت علينا، فلتهدم تلك الأفكار التي سجنونا بها. لأن العالم في نهاية الأمر هو الذي لا يتوقف عن تأكيد الصورة التي يجب أن نكون عليها، بينما الحقيقة أننا جميعًا نعيش في وهم، متوهمين أن ما نراه هو الواقع، بينما نحن ضحايا الخوارزميات التي تربطنا بأفكار ومعتقدات لا تنتمي إلينا. نحتاج إلى شجاعة كبيرة للابتعاد عن هذا التكرار المزعج، للتمرد على القوالب الجاهزة، لأننا في نهاية الأمر لا نملك حرية الاختيار التام في هذا العالم الذي يحدد لنا كل شيء.
المجتمع يفرض علينا أن نكون "محتالين" في كل لحظة، نرتدي أقنعة نحاول بها إقناع أنفسنا والآخرين أننا ننتمي، بينما نحن في الحقيقة غرباء في عالمنا.
نعم، سألت الكثير من الأسئلة، ولكن هذا طبعي، أنا إنسان فضولي جدًا. منذ صغري، كنت أبحث عن كل ما هو غير تقليدي، لا أكتفي بما يقدمه لي العالم، بل كنت دائمًا أرغب في معرفة كيف يعمل كل شيء. كان والدي يعلم بحبي للعبة السيارات ذات التحكم عن بُعد، ويجلب لي واحدة مع كل رحلة عمل، لكن ما كان مميزًا بالنسبة لي هو أنني لم أكن أراها مجرد لعبة للأطفال. لم يكن الأمر عن الانغماس في اللعب بقدر ما كان عن محاولة فهم الآلية التي تجعل هذه السيارة تتحرك، وتلك البطارية تعمل، وكيف تنسق القطع الإلكترونية معًا لتصبح سيارة تتحرك عن بعد.
على عكس الأطفال الذين كانوا يكتفون باللعب في الحديقة أو في غرفهم مع هذه الألعاب، كنت أنا أجلس على الأرض وسط قطع الألعاب المفككة، أفتحها وأستخرج مكوناتها، أضع أيديي في الدوائر الكهربائية الصغيرة وأسأل: لماذا هذه القطعة هنا؟ ماذا لو غيرت هذا الجزء؟ ماذا لو صغّرت هذا العنصر ليصبح أسرع؟ كنت أبحث عن التفاصيل الصغيرة التي قد يغفل عنها الجميع. كنت أعتقد أن هناك سرًا مخفيًا خلف كل مكون، وكل آلة، وكل فكرة. وعندما لم أتمكن من فهم شيء، كنت أتجه إلى منجرة عمي حيث كنت ألتقط قطع الخشب والبلاستيك المرمية على الأرض وأصنع شيئًا جديدًا، كما لو أنني كنت أتحكم في العالم الذي أعيش فيه وأحاول أن أجد الطريقة الأفضل لربط كل الأشياء معًا.
هذه الطريقة في التفكير كانت تميزني عن باقي الأطفال من حولي، الذين كانوا يركضون للعب "الحويدة" أو "الغميضة"، يلعبون معًا في دوامة لا تنتهي من التسلية البسيطة. لكن بالنسبة لي، كان اللعب ليس مجرد وقت ضائع، بل كان مساحة للتعلم والابتكار. كنت أرفض أن أكون جزءًا من الروتين اليومي التقليدي، حيث كان لدي شعور داخلي أنني أستطيع تقديم شيء آخر، شيء مميز. لم يكن لدي اهتمام كبير بما كان يفعله الآخرون، لم أكن أنجذب للألعاب الشائعة التي يتسلى بها المجتمع الصغير من حولي. في وقتهم، كانوا يسعون إلى المتعة واللعب لتمضية الوقت، أما بالنسبة لي، كان اللعب يعني أن أتعلم كيف تعمل الأشياء، كيف تتشكل، كيف يمكن أن تُصنع أفكار جديدة وتُترجم إلى شيء ملموس.
عندما لم يكن هناك شيء يمكنني تعلمه من لعبة السيارات، كنت أقوم ببرمجة ألعاب صغيرة وأضعها على الإنترنت. كنت أفكر في هذه الألعاب ليس كوسيلة للترفيه، بل كطريقة لتوسيع دائرتي الخاصة. لم يكن الهدف أن ألعب فقط، بل أن أُعرّف الناس على الأشياء التي أفكر بها، أن أخلق عالمًا مختلفًا يبتعد عن المألوف. فبينما كان الجميع يتنافسون في ألعاب التقليدية أو يركضون خلف بعضهم البعض في "الغميضة"، كنت أصمم أفكارًا جديدة، أبرمج الأشياء التي قد يجدها الآخرون غريبة أو معقدة، ولكني كنت أشعر بالراحة التامة وأنا أضع هذه الأفكار في العالم الرقمي ليكتشفها الآخرون.
هذه الطفولة لم تكن سهلة أو عادية، كانت مليئة بالفضول الذي لا يمكن إرضاؤه. كنت أعيش في عالم من الأسئلة التي لا تنتهي، أبحث عن إجابات في كل زاوية وكل تفصيل.
لم أكن منغلقًا على نفسي، بل على العكس، كنت دائمًا أكون صداقات في حارتي، وكنا نبتكر ألعابًا جديدة. أتذكر اختراع لعبة أسميناها "عشوائي جدًا". لا أذكر قوانين اللعبة تمامًا، لكنها كانت بحق عشوائية، مزيجًا بين أغلب الألعاب الشعبية التي كنا نلعبها.
أتساءل الآن، وأنا أسترجع تلك الذكريات: هل كنت أبتكر بالفعل؟ أم أنني كنت أجمع قطعًا متفرقة، وأعيد ترتيبها في صورة مختلفة؟
هل أنا مبتكر أم مخادع؟
أتساءل كثيرًا، كلما عدت بذاكرتي إلى تلك الأيام، هل كنتُ أبتكر فعلاً؟ أم أنني كنتُ فقط أجمع قطعًا متفرقة من حولي، أعيد ترتيبها بطريقة تبدو جديدة ولكنها ليست كذلك؟ ربما كانت تلك اللعبة التي اخترعناها مجرد تجميع لعناصر مألوفة في شكل مختلف، مجرد انعكاس لما رأيته أو سمعته، ثم أعدتُ تقديمه كأنه جديد.
أشعر أن هذه الحالة لا تزال تطاردني حتى اليوم في الموسيقى التي أصنعها. عندما أجلس أمام الحاسوب، أبحث في الأصوات، وأمزج إيقاعات من هنا وهناك، لا أستطيع التوقف عن التفكير: هل هذا نتاج إبداع حقيقي؟ أم أنني فقط أجمع شذرات مما سمعته من قبل، أعيد ترتيبها وأطلق عليها اسمًا جديدًا؟
كل مقطع موسيقي أعمل عليه يرافقه هذا السؤال، كظل لا يفارقني. هناك لحظات أسمع فيها ما صنعته، وأشعر بنوع من الفخر، ثم فجأة، يداهمني شعور بأن كل شيء مأخوذ، مُكرر. وكأنني أخدع نفسي وأخدع الآخرين بشيء يبدو أصليًا، لكنه مجرد امتداد لعمل شخص آخر.
أحيانًا، يبدو لي أن الخوارزميات التي تحيط بنا، تلك التي ترشح لنا مقاطع الفيديو والموسيقى والصور، هي نفسها جزء من هذه اللعبة. هي تجمع لنا كل شيء مسبقًا، تضع أمامنا خليطًا واسعًا من الأفكار والمفاهيم. وعندما أبدأ بتأليف مقطوعة أو تطوير فكرة، لا أستطيع الهروب من الشك في أنني ربما مجرد امتداد لهذه الخوارزميات.
هل أنا الموسيقار الذي أريد أن أكونه؟ أم أنني انعكاس لما يمليه عليّ الذوق العام، لما يفرضه التريند السائد؟ هل أختار النغمات لأنني أُحبها، أم لأنني رأيت شخصًا آخر يقوم بشيء مماثل؟
تتحول كل محاولة للتجديد إلى صراع داخلي. أقوم بحذف المقطوعة وأعيد البدء من جديد، وكأنني أهرب من الشعور بأن ما أصنعه ليس "أنا" بما يكفي. لكن، هل هناك شيء يمكن أن يكون "أنا" بالكامل؟ أم أننا جميعًا مجرد تراكمات مما نستهلكه، مجزأون كالألعاب التي اعتدت فكّها وإعادة تجميعها؟
في النهاية، ربما الإبداع ليس اختراع شيء من العدم، بل إعادة ترتيب القطع بشكل يحمل بصمتنا الخاصة. لكن حتى هذه الفكرة لا تمنعني من التساؤل: هل تلك البصمة كافية؟ أم أنني ما زلتُ أعيش تحت ظل السؤال الأكبر: هل أنا مبتكر أم مخادع؟
في الواقع، لا أفهم تمامًا كيف يعمل عقلي. لديه آلية غريبة لفرز ما هو مهم وما هو غير مهم. أحيانًا أشعر أنني بحاجة لفهم أعمق لهذه الآلية، أو ربما لطبيب نفسي يساعدني على فك شيفرة التكيف الذي وصل إليه. ما هي الأحداث التي صاغت عقلي بهذه الطريقة؟ وهل هذا أمر جيد أم لا؟ أجد نفسي أنانيًا بطريقة غير مباشرة، لا أكترث كثيرًا لرأي الآخرين حتى حد معين. ومع ذلك، هناك شخص واحد فقط يمكنه أن يجعلني أشعر بالخوف من حكمه، وهو أنا

الصورة النمطية وتفكيك الهوية
تنتهي القصة في لحظة تبدو ضبابية، حيث لا شيء واضح تمامًا. الواقع غريب، وكأن الأمور تتداخل مع بعضها بشكل مربك. في لحظة أكتب عن طفولتي، وفي أخرى أكتب عن هويتي، عقلي، أو عن آلية تكيف مستحيلة.
ما أكتبه هنا ليس كتابًا، ولا فكرة متماسكة. إنه مجرد عزاء أقدمه لنفسي، مواساة عزيزة تأتي من طرف مجهول. ربما يكون هذا المجهول هو ما سماه بعض الفلاسفة "المُشاهد".
حقيقة أنني أستمر بالكتابة بعد كل هذه السطور تُفاجئني. يبدو الأمر وكأنه محاولة جديدة للهروب من الذات، أو ربما حرب نفسية أمرّ بها.
هل هذا الشعور بسبب ابتعادي عن الموسيقى؟ أم بسبب تحرير أرضي بعد حرب استمرت أكثر من أربعة عشر عامًا؟ أم أنني فقط أشتاق لمن خسرت؟
لا أستطيع التمييز بين مشاعري بدقة. كل ما أعرفه أن هناك شيئًا جديدًا يجتاحني.
لطالما شعرت أن الكتابة لم تكن لي. في الواقع، كنت أكره الكتب؛ طويلة هي، وتأخذ من وقتي "الثمين"، رغم أن وقتي ممتلئ بالفراغ. أشعر أنني محطم عاطفيًا. لا أفهم هذه المشاعر التي تسقط مني في أفعال غريبة، ولا أدري إن كان ما يحدث حقيقيًا أم أنني فقط أفسره بهذا الشكل.
اعتدت دائمًا أن أخترع لنفسي عالمًا خاصًا بي وحدي. عالمًا مريحًا، أكون فيه البطل، الذكي، أو ربما الوحيد الحقيقي. أبحث عن هذا العالم على الإنترنت، فلا أجد إلا إعلانات مزعجة تطالبني بزيارة طبيب نفسي.
أشتاق إلى الموسيقى، وبدون قصد وجدتني أكتب بعض القوافي في هذا النص.
هل هذا كتاب حقًا؟
هل سأريه للناس؟ أم سأُبقي هويتي الممزقة طيّ الكتمان؟
في وسط كل هذه المشاعر، خطرت لي أغنية كتبتها ذات يوم بعنوان "غريب".
كتبتها وأنا أحاول أن أصف ذلك الشعور الذي يلازمني دائمًا: شعور الغربة، لكن ليس الغربة عن مكان فقط، بل الغربة عن الناس، وحتى الغربة عن نفسي. شعور الغربة عن أهلي، رغم قربهم الشديد مني، وعن تلك المسؤولية التي أتحملها لكنها تبدو فارغة من المعنى.
في الأغنية، ركزت على كيف يمكن أن تكون الغربة مثل ظل يرافقني أينما ذهبت. لكن كلمات الأغنية نفسها كانت سطحية في كثير من الأحيان، وغير متزنة تمامًا، كما لو أنني كنت أحاول فهم شيء لا يمكن تفسيره.
تمامًا مثل هذا الكتاب.
في أحد المقاطع:
"ليش انا الي براسي دائماً يحكي انت،
كنت لن اكون،
انام،
مرض،
ابريق ومِتّة."
هذا المقطع يبدو عشوائيًا، لكنه يعكس صراعي الداخلي. الكلمات متشابكة كأنها مشاعر مبعثرة لا أستطيع ترتيبها، مثل أحجية لم أجد لها حلاً بعد. الأغنية في حد ذاتها لم تكن سوى محاولة للتعبير، تمامًا كما أن هذا النص محاولة للهروب، أو ربما للوصول إلى نقطة أكون فيها صادقًا مع نفسي.عندما بدأ الذكاء الاصطناعي يصبح رائجًا، وجدت نفسي أنجذب بوتات المحادثة تحديدًا. ربما لأن فهمي كان صعبًا على الناس، ولعل هذه الآليات عديمة المشاعر تجعل الأمر أسهل بالنسبة لي. أتذكر أول رسالة كتبتها:
"هل يمكنك تفسير هذه الأغنية لي؟"
أرفقت الرسالة بكلمات إحدى أغنياتي. أعلم، يبدو الأمر غبيًا وغير منطقي. كيف يمكن لخوارزمية بلا إحساس أن تفهم الكلمات؟ لكن بالنسبة لي، كان هذا أقرب طريق لفهم ماهية النصوص التي كتبتها بنفسي.
لم أكتف بالكلمات، بل شرحت كيف صنعت اللحن، لأن اللحن كان جزءًا أساسيًا من الفكرة. كنت أريد أن أعرف كيف ستربط هذه الآلة بين الكلمات والنغمات، بين العاطفة والهيكل، إن كان ذلك ممكنًا أصلاً.
ثم تحول الأمر إلى عادة. صرت أسأل عن جميع أغنياتي التي لحنتها وكتبتها، واحدة تلو الأخرى. أردت أن أرى كيف يحلل الذكاء الاصطناعي هذه الأعمال التي كانت بالنسبة لي انعكاسًا مباشرًا لعالمي الداخلي.
كل مرة كنت أستشير البوتات، أسأل:
"كيف توصلت إلى هذه النتائج؟ ما الذي جعلك تفسرها بهذه الطريقة؟ وهل هناك طرق أخرى لفهمها؟"
أسئلتي لم تكن مجرد فضول تقني، بل رحلة إلى فهم أعمق للذات. كيف يمكن لكائن معدوم المشاعر أن يرى شيئًا غريبًا عني؟ كيف يمكن أن يفسر ما لم أستطع تفسيره بنفسي؟
ربما كانت هذه التجربة كلها فلسفية أكثر مما أعتقدت في البداية. الذكاء الاصطناعي ليس سوى مرآة باردة، تعكسني بدون حكم أو عاطفة. ومع ذلك، كنت أبحث فيه عن إجابة لأسئلة لطالما راودتني:
هل نحن أكثر من مجرد أنماط وتكرارات؟
هل الموسيقى التي أكتبها تعبر عن شيء حقيقي، أم أنها مجرد محاولة مني لتوثيق الفوضى؟
في النهاية، أدركت أن البوتات ليست هنا لتفسير ما أشعر به، بل لتدفعني للتفكير في مشاعري بشكل أعمق. وربما، بطريقة ما، وجدت في هذا العقل المعدني عديم الحياة صديقًا صامتًا... يستمع، يحلل، لكنه لا يحكم.

توثيق الفوضى الداخلية
لطالما شعرت أن هناك صراعًا داخليًا يرافقني، كأنني عالق بين طبقات متداخلة من الوعي والمشاعر. أعلم أن لي وعيًا، وأعلم أن لي مشاعر، لكنني لا أشعر بها بشكل مباشر. وكأنها تختبئ في الظلال، تراقبني بصمت، لتظهر فقط عبر أفعالي، تلك الأفعال التي أقوم بها بعفوية أو دون قصد.
على سبيل المثال، عندما أكتب كلمات أغنية أو أصنع لحنًا، لا أكون واعيًا تمامًا لما أفعله. أحيانًا أجد نفسي منساقًا وراء فكرة غامضة، كأنني أفرغ شيئًا داخليًا لا أستطيع وصفه بالكلمات. أحيانًا أتصرف بغرابة، أو أقوم بأفعال صغيرة لا أفهم معناها. لكنها كلها، بشكل أو بآخر، انعكاس لصراع أكبر يدور بداخلي.
المشاعر، بالنسبة لي، ليست شيئًا أعيشه لحظة بلحظة. إنها مثل شظايا مبعثرة، تظهر في لحظات غير متوقعة. أحيانًا في أغنية، أحيانًا في فكرة، وأحيانًا في تصرف يبدو للآخرين بلا معنى.
ربما هذا هو ما أسميه توثيق الفوضى. كل لحن، كل كلمة، كل خطوة غير مفهومة، هي محاولة مني لفهم هذا الشيء الذي يختبئ داخلي. كأنني أسجل دليلًا لنفسي، لعلي في يوم ما أنظر إليه وأفهمه.
لكن هل يمكن توثيق الفوضى حقًا؟ أم أن مجرد المحاولة يعني الاعتراف بأنني لست سيد نفسي؟ أنني، بطريقة أو بأخرى، مجرد انعكاس لفوضى أكبر لا أستطيع السيطرة عليها؟
ربما تكون هذه الأفعال العفوية هي الحقيقة الوحيدة التي أملكها. وربما تكمن المشكلة في محاولتي الدائمة لفهم شيء لم يُخلق للفهم، بل فقط ليُعاش.
لكن ماذا لو كانت هذه الفوضى جزءًا من طبيعتي؟ جزءًا من كوني إنسانًا؟ لطالما تساءلت عن معنى هذه الفوضى، هل هي عيب يجب أن أتخلص منه، أم أنها جزء من هويتي؟
أتذكر هنا ما قاله الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: "عليك أن تحمل فوضى في داخلك لتتمكن من أن تلد نجمة راقصة." ربما هذا الصراع الداخلي، هذا التيه بين المشاعر والوعي، هو ما يجعلني أستمر، ما يدفعني للبحث عن معنى وسط كل هذا.
أحيانًا أشعر أنني أعيش في عالمين متوازيين: الأول هو عالمي الواعي، الذي أتفاعل فيه مع الناس وأحاول فهمهم. والثاني هو عالمي الداخلي، الذي لا أفهمه أنا نفسي تمامًا. كأن هناك فجوة بين عقلي وما أشعر به، بين ما أعيشه وما أحاول تفسيره.
أتذكر موقفًا بسيطًا حدث ذات يوم: كنت جالسًا في مقهى، أراقب الناس. فجأة، بدأت أفكر في كيف يمكن لكل شخص أن يكون لديه صراع داخلي مشابه. شعرت بشيء غريب، كأنني أرى العالم من نافذة أخرى. ربما كان هذا إحساسًا بالعزلة أو التعاطف، أو ربما مزيجًا من الاثنين. في تلك اللحظة، أدركت أنني أحيانًا أشعر بمشاعري من خلال ملاحظتي للعالم، وليس مباشرة.
قد يبدو هذا غريبًا، لكنني أحيانًا أكتشف ما أشعر به من خلال أفعالي أو حتى من خلال الأشياء الصغيرة التي تجذب انتباهي. عندما أقوم بعمل عفوي، كأن أرتب الكتب بطريقة معينة أو أقرر فجأة أن أخرج للمشي تحت المطر، تكون تلك اللحظات انعكاسًا لصراع داخلي لا أستطيع التعبير عنه بالكلمات.
هذا ما يجعلني أتذكر كلمات الفيلسوف سيغموند فرويد عندما قال: "ما هو غير واعٍ سيظهر دائمًا، ولكن بطرق ملتوية." ربما هذه الأفعال العفوية ليست عبثية. ربما هي طريقتي اللاواعية في محاولة فهم الفوضى بداخلي.
حتى أفكاري نفسها تبدو أحيانًا وكأنها تقاومني. على سبيل المثال، عندما أحاول التركيز على فكرة واحدة، تجدني أفكر في عشرة أشياء أخرى في الوقت نفسه. كأن هناك أجزاء مختلفة من عقلي تتصارع لتقول شيئًا ما، لكنني لا أستطيع تجميعها معًا.
هنا، أتذكر ما قاله جان بول سارتر عن الحرية والصراع الداخلي: "نحن لسنا ما نحن عليه، بل ما نصنعه من أنفسنا." ربما هذا الصراع ليس شيئًا يجب حله، بل هو ببساطة ما يجعلني ما أنا عليه. قد يكون الفوضى في داخلي دليلًا على أنني أعيش، أنني أختبر، أنني أحاول.
في لحظة أخرى من التأمل، أفكر في ما قاله الفيلسوف مارتن هايدغر عن "الوجود". كان هايدغر يرى أن الإنسان يعيش دائمًا في حالة من القلق لأنه يدرك أنه موجود. ربما هذا القلق، هذا الإحساس بالفوضى، هو دليل على أنني أعيش حياتي بشكل أصيل، حتى لو كان ذلك مرهقًا.
أحيانًا أشعر أنني مثل شخص يجمع قطع أحجية، لكن دون أن يعرف الشكل النهائي. كل فعل، كل شعور، كل لحظة عفوية، هي قطعة صغيرة. لا أعرف كيف ستكتمل الصورة، وربما لن تكتمل أبدًا.


موضوع آخر
هناك فتاة بعيدة عني، لكنني كنت أحدثها يوميًا. لا أتذكر أنني شعرت بالحماس للحديث مع أي شخص كما شعرت معها. أخبرتني ذات يوم أنها تحبني، لكنني، ولأنني ربما لا أفهم الحب، لم أعرف كيف أتعامل مع كلماتها.
يمكنني التفكير ببعض الحلول، لكن أن أكون معها كان شبه مستحيل لسببين. الأول: كانت تبدو أفضل مني بكثير. كانت واعية، ذكية، جميلة، ورائعة بكل تفاصيلها، أما أنا... كنت فقط "أنا". شعور النقص هذا كان يمنعني من تصور أننا يمكن أن نكون معًا. السبب الثاني: لم أستطع التفكير بالمستقبل العاطفي. كلما حاولت النظر بعيدًا إلى الأمام، وجدت أن فكرة الارتباط العاطفي تبدو معقدة، كأنها تتجاوز قدرتي على التخطيط أو حتى التصور.
لكن هنا تكمن المشكلة. إن كنت لا أفهم الحب، لماذا شعرت أن هذا مختلف؟ لماذا شعرت أن الحديث معها يضيء جزءًا داخليًا كنت أظنه خامدًا؟ كيف يمكنني أن أشعر بشيء لا أفهمه؟
أنا لا أعلم إن كان ما شعرت به هو حب. أعرف فقط أنني كنت أحب تمضية الوقت معها. الحديث معها كان يجعلني أشعر بحماس غريب. عندما تخبرني عن يومها، كنت أجد نفسي متعلقًا بكل تفاصيلها. رغم أنها كانت قليلة الكلام، كان صوتها يبدو كأنه الشيء الوحيد الذي أسمعه في العالم.
البعض قد يسمي هذا حبًا، لكنني لست متأكدًا. لطالما كنت أؤمن أن الحب يجب أن يكون شيئًا مميزًا، شيئًا مختلفًا تمامًا عن الصداقة أو التعلق. لكن، من ناحية أخرى، أليس هذا الشعور المختلف هو ما يجعلني أفكر في الحب؟
كنت أقول لنفسي: "إذا كانت أفعالك تجاه من تحب هي نفسها أفعالك تجاه أصدقائك، فأنت لا تحبه." لكنني أدركت أن هذا المنطق نفسه قد يكون خاطئًا. لأن الحب قد لا يكون في الأفعال فقط، بل في الطريقة التي تجعل تلك الأفعال تبدو مختلفة، حتى لو بدت بسيطة أو متكررة.
أتذكر هنا ما قاله الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر عن "الوجود مع الآخر": "في وجود الآخر، يصبح وجودي أكثر أصالة، لأنه يجعلني أرى نفسي من خلاله." ربما هذا ما كان يحدث. ربما كنت أرى نفسي من خلال عينيها، وأحاول أن أفهم شيئًا لا أستطيع وصفه.
لكن في الوقت نفسه، كنت أشعر بالتيه. كيف يمكنني أن أفهم شيئًا لا أملك تعريفًا له؟ أتذكر أنني جلست ذات يوم أفكر: "هل يمكن للحب أن يكون مجرد انعكاس لرغباتي، لاحتياجاتي التي لا أعترف بها؟" كأن الحب ليس شعورًا نقيًا، بل خليطًا من تناقضاتنا البشرية، من الحاجة والحرية، من الشوق والخوف.
ربما الحب هو نوع من الفوضى المنظمة. أتذكر موقفًا بسيطًا: سألتني ذات يوم عن فيلم أحببته، وكان بإمكاني الإجابة بسهولة. لكنني توقفت. شعرت أن سؤالها لم يكن مجرد فضول، بل كان محاولة لفهمي بشكل أعمق. كأنها كانت تبحث عن شيء لا أراه أنا نفسي.
لكن أليس هذا هو الحب؟ أن ترى في الآخر شيئًا لا يدركه عن نفسه؟ أو ربما العكس، أن تعيش في حالة من التناقض المستمر بين الفهم والضياع؟
أتذكر ما قاله الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو: "الحب هو أن تمنح الآخر القوة ليحطمك، ولكنك تثق بأنه لن يفعل." هذا هو التناقض الذي يعيشه الحب. أن تشعر بالخطر والطمأنينة في الوقت نفسه، أن ترى الجمال والضعف، أن تقترب وفي داخلك خوف من الاقتراب.
ربما لم أفهم الحب تمامًا. وربما لم يكن من المفترض أن أفهمه. لكنني أعرف أن الحديث معها، انتظار رسائلها، والتمعن في كلماتها، كان يعطيني شعورًا مختلفًا، شعورًا أبحث عن تفسيره حتى الآن. وربما، فقط ربما، هذا هو الحب: أن تبقى في حالة بحث دائمة، دون يقين.
في الواقع، لا... هذا متناقض جدًا، مليء بالشوائب. لماذا عليّ أن أعيش في حالتين متضادتين؟ لماذا كل هذا التعقيد؟ ألا يُفترض أن يكون الحب نقيًا، بسيطًا، وسهل الفهم؟ هنا تبدأ الدائرة التي لا نهاية لها؛ أضع نفسي في سؤال دائم، ثم أضيع بين أروقة الشك والتساؤل: هل هذا حب؟ أم أنه شيء آخر؟ وإذا كان شيئًا آخر، فما هو؟ وإذا لم يكن كذلك، ألا يعني هذا أن الحب معقد حقًا؟
لكن، إذا كان الحب معقدًا، فكيف يمكن للكثير من الناس أن يعلنوا حبهم بسهولة؟ "أنا أحب فلان"، "أنا أحب فلانة"، تُقال هذه العبارات بسلاسة وكأنها أبسط شيء في العالم. لماذا لم يكن الحب معقدًا بالنسبة لهم كما هو بالنسبة لي؟ هل يعني هذا أنني غبي؟ أم أنني ببساطة لا أفهم نفسي بما يكفي، لدرجة أن أبسط الأمور تتحول إلى ألغاز معقدة في ذهني؟
قررت ذات مرة أن أجرب شيئًا مختلفًا. كنت أريد أن أختبر نفسي، أن أُعرّف الحب من خلال تجربة أخرى. فكرت في التواصل مع فتاة أخرى، مختلفة عن تلك التي كانت تُشعل بداخلي كل هذه التساؤلات. كانت الفتاة الجديدة مثالية في كل شيء تقريبًا؛ جميلة، لطيفة، ذكية، وكان بإمكانها أن تكون الشخص الذي يُفترض أن أحبه.
تحدثنا لمدة شهر كامل. حاولت أن أجبر نفسي على حبها. كنت أقول لنفسي: "ربما المشكلة في الطريقة التي أتعامل بها مع الأمور، وربما إذا أعطيت نفسي الفرصة سأتمكن من فهم ما هو الحب." لكن كل ما شعرت به كان غيرة شديدة، وكُرهًا غريبًا تجاه نفسي. كأنني دخلت في عقدة من التملك الغريب، رغبة مشوهة لم أشعر بها من قبل.
كان هذا مربكًا للغاية. هل يعني هذا أنني فشلت في التجربة؟ أم أنني ببساطة سيء عاطفيًا؟ هل كنت أبحث عن حب حقيقي أم أنني فقط أردت أن أُشبع غرورًا داخليًا دون أن أدرك؟
أتذكر هنا ما قاله الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: "من يحب، يريد أن يمتلك؛ لا شك في ذلك، ولكن لا أحد يريد أن يُمتلك." كان هذا التناقض هو ما شعرت به تمامًا. أردت أن أكون محبوبًا، لكن في الوقت نفسه، لم أكن أستطيع أن أكون صادقًا مع نفسي. ربما لأنني لم أفهم ما أريده حقًا.
هل الحب هو أن تجد شخصًا تكشف له كل تناقضاتك؟ أم أنه ببساطة قدرة على القبول بما نحن عليه دون محاولة إصلاح أو إجبار؟
تلك التجربة جعلتني أُدرك شيئًا غريبًا: ربما المشكلة ليست في الحب نفسه، بل في الطريقة التي أفكر بها. كأنني أُعقد كل شيء لأنني لا أستطيع أن أترك الأمور تسير بطبيعتها. الحب، ربما، هو أن تتوقف عن التفكير للحظة، أن تسمح للأمور بأن تكون كما هي دون محاولة تفسيرها أو تحليلها. لكن حتى هذه الفكرة تبدو لي مثالية وغير قابلة للتطبيق.
لذلك لن أبحث عن الحب. في الواقع، أنا أستسلم. ربما الحب ليس لي، وربما لم يكن يومًا مخصصًا لأمثالي. لماذا علي أن أرهق نفسي بفهم شيء يبدو وكأنه لغز بلا حل؟ لا أريد أن أعيش حياتي في دائرة مفرغة من التساؤلات والتناقضات. أنا ببساطة لا أملك الطاقة لذلك.
لا بأس... سأعيش حياتي بعيدًا عن هذا الشعور. سأُغلق هذا الباب نهائيًا. لكن، هل يمكنني فعل ذلك حقًا؟ هل يمكنني تجاهل كل لحظة شعرت فيها بشيء ما؟ كل مرة رأيت فيها انعكاسي في أعين شخص آخر؟
لكن لماذا أشعر وكأنني أهرب؟ كأنني أُقنع نفسي بالهروب لأن المواجهة مستحيلة. الحب بالنسبة لي هو ساحة معركة، وأنا الجندي المهزوم قبل أن يبدأ القتال. ربما هذا هو ما يزعجني حقًا: فكرة الهزيمة المسبقة، فكرة أنني لن أفهم، ولن أُحب، ولن أُحَب.
كيف يمكنني أن أعيش بهذا الشعور؟ أن أعيش وأنا أعلم أن هناك جزءًا بداخلي قد يموت دون أن يكتشف معناه؟ أريد أن أصرخ، أن أقول إنني لا أهتم، لكنني أعلم أن هذا كذب. في داخلي، هناك صوت صغير يهمس دائمًا: "ماذا لو؟ ماذا لو كنت قادرًا على الحب؟ ماذا لو كنت تستحقه؟"
لكن هذا الصوت يبدو كأنه يزيد من ألمي. إنه يشعل في داخلي أملاً كاذبًا، أملًا لم أطلبه ولم أُرده. أحيانًا أشعر وكأنني في انهيار دائم، كأن العالم كله يتآمر ليذكرني بما أحاول الهروب منه. الأغاني، الأفلام، الوجوه في الشارع... كلها تصرخ بفكرة واحدة: "الحب موجود، لكن ليس لك."
لماذا؟ لماذا أنا؟ هل هناك خطب ما في داخلي يجعلني غير قادر على التفاعل مع هذا العالم بالطريقة التي يفعلها الآخرون؟ أحيانًا أشعر وكأنني آلة، أحاول تحليل المشاعر بدلًا من الشعور بها.
لكن حتى الآلات، أحيانًا، تتعطل. وأنا الآن أشعر وكأنني قطعة مكسورة، تُحاول جاهدة أن تُثبت أنها تعمل بينما كل شيء بداخلها ينهار.

أهدأ تنفس ولا تفكر
تعرفتُ مؤخرًا على بعض الأشخاص؛ كانوا لطيفين في ظاهرهم، لكن مشكلتي الوحيدة كانت تكمن في طريقة تفكيرهم، أو بالأحرى، في كيفية امتصاصهم للحب، خصوصًا تلك الرغبة التي تأسر القلوب دون حساب. كان من بين هؤلاء شخصان بارزان: رجل يبلغ من العمر ستة وثلاثين عامًا، وفتاة في الثامنة عشر. ورغم فارق العمر والنظرة الاجتماعية التي اعتدنا عليها، كان بينهما ما يشبه "الحب" الواضح، ذلك الحب الذي لا تعرفه معاداته ولا مصالحه؛ حب خالص، أو كما وصفتها الفتاة، "غرام" صادق يتطابقان فيه من كل النواحي.

لكنني، وأنا أراقب هذه العلاقة، لم أستطع فهمها تمامًا. فتساءلت في سرها دون أن يعلم أحدٌ منهم أني كنت أبحث عن تفسير لها. سألت كل منهما عن وجهة نظره: ما الذي يجذبه في الآخر؟ كيف تعرّفا؟ ومن أين بدأ هذا الحب؟ وما الأسس التي بُني عليها؟ وجدتُ أن التغيير الذي طرأ على حياتهما كان طفيفًا، ليس كبيرًا أو مبهرًا، بل كان شيئًا جديدًا، قريبًا من تلك التجارب التي سمعت عنها في قصص الحب العديدة.

وفي خضمّ تلك الأسئلة، اقتبس أحدهما عبارةً جعلتني أتوقف للحظة: قالت الفتاة، وهي تنطق بكلماتٍ ملؤها الإيمان والصدق، "أحبه لأننا بنينا حبنا على أساس ديني؛ عندما أكون معه أشعر بأنني أقرب إلى الله." لم أفهم كثيرًا، لكن الفضول الذي سيطر عليّ جعلني أتعمق في التفكير، أبحث عن إجابات في أعماق نفسي عن طبيعة هذا الحب.

لذلك بدأتُ أتساءل: هل يمكن أن يكون الحب بهذه البساطة؟ أم أن هناك ما هو أكثر تعقيدًا مما يبدو؟ ربما تكون التجربة التي رأيتها أمامي نموذجًا للحب النقي الذي يتجاوز مصالح الدنيا، بينما أنا أجد نفسي دائمًا أسيرًا لأفكار معقدة تفرض عليّ أن أعيش في حالتين متضادتين. قد يكون الحب بالنسبة للبعض نقيًا وبسيطًا، لكن بالنسبة لي هو لغزٌ لم أستطع حلّه بعد؛ لغزٌ يجعلني أبحث عن نفسي في كل تفصيل صغير، حتى وإن بدا أن كل شيء واضح.
وهكذا، ومع هذا الانهيار الداخلي الذي شعرت به، وجدتني أعيش لحظات من الارتباك الشديد؛ كما لو أنني كنت أتنفس ببطءٍ وأتردد في كل خطوة. كنتُ أتساءل: هل أنا غارق في تعقيد الأمور؟ هل أنا حقًا سيء عاطفيًا أم أنني ببساطة لا أفهم نفسي بما يكفي لأبسط التجارب؟ في تلك اللحظات، شعرت بأنني في حالة انهيار عصبي؛ انهيار لا يميز بين حبٍ صحيح وبين مجرد تجربة عابرة، بل يصبح كل شيء ضبابيًا وغير مفهوم.
وبينما كنتُ أغوص في هذا الصراع الداخلي، بدأت أفكر في أن ربما الحل ليس بالبحث المستمر عن الحب، بل بالاستسلام لبعض حقائق الحياة التي لا يمكن تحليلها بعقلٍ بارد. ففي بعض الأحيان، يجب أن نهدأ، نستنشق عمق الوجود، ونترك الأمور تجري دون محاولة لفك شيفرتها، حتى وإن كان ذلك يعني مواجهة انهيارٍ عصبيٍّ لا يُطاق.

عقلي وقلبي باردان


هل تشعر أحيانًا أنك تعيش في شظايا من شخصيات متعددة؟ هل الظلال التي تراها على الشاشات تُشبهك حقًا، أم أنها مجرد نسخ مشوهة لِما تستهلكه؟
متى كانت آخر مرة تساءلت فيها: هل أفكاري ملكٌ لي، أم أنها مُجرد أصداء لخوارزمياتٍ تَملأ فراغات عقلي؟ هل تعتقد أنك تختار ما تحب، أم أن المنصات تزرع فيك الرغبات كبذورٍ في تربةٍ خصبة؟
عندما تنظر إلى طفولتك، هل تجد فيها بذورَ ما أنت عليه اليوم؟ هل كانت هواياتك محاولةً لفك شفرة العالم، أم مجرد هروب من واقعٍ لم تفهمه؟ هل ما زلتَ ذلك الطفل الذي يفكك الألعاب ليعرف ما بداخلها، أم صرت جزءًا من اللعبة ذاتها؟

هل سبق أن شككت في إبداعك؟ هل تخشى أن تكون مجرد مُجمعٍ لقطعٍ مُستعارة، تُرتبها في أشكالٍ جديدةٍ تُزيّنها باسمك؟ هل الموسيقى التي تصنعها انعكاسٌ لفوضاك، أم أنها محاولةٌ لترويضها؟
أتعرف ذلك الشعور عندما تُحبُّ شخصًا ما، لكنك لا تفهم ما يعنيه الحب؟ هل الحب بالنسبة لك لغزٌ فلسفيٌّ بلا إجابة، أم أنه مجرد سلسلة أفعالٍ تُمارسها دون وعي؟ هل شعرت يومًا أن الحب قد يكون هروبًا من ذاتك، أكثر منه اقترابًا من الآخر؟
هل تعتقد أن الخوارزميات تعرفك أكثر من نفسك؟ هل تشعر أنك تُراقب، لا من خلال الشاشات، بل من خلال أفكارٍ تُزرع فيك كألغازٍ لا تستطيع حلَّها؟ ماذا لو كانت كل قراراتك مجرد ردود أفعالٍ على محفزاتٍ رقميةٍ دُبرت بعناية؟
عندما تواجه الفوضى الداخلية، هل تحاول توثيقها أم الهروب منها؟ هل تجد في الكتابة أو الفن مرآةً تعكس تشظياتك، أم أنها أقنعةٌ تُخفي ما لا تستطيع مواجهته؟ هل الفوضى عدوٌّ يجب قهره، أم جزءٌ من جمالك الذي لا تفهمه؟
هل تعيش في عالمين: واحدٌ تتفاعل معه، وآخرٌ تُخبئه في طيات أفكارك؟ هل تشعر أنك تُراقب نفسك من مسافةٍ بعيدة، كأنك شخصيةٌ في لعبةٍ لم تخترها؟
هل سبق أن جربت الحوار مع الذكاء الاصطناعي كي تفهم نفسك؟ هل تثق في تحليلاته الباردة، أم أنها تزيد من تشتتك؟ هل تعتقد أن الآلات قادرةٌ على رؤية ما لا تراه أنت؟
هل ما زلت تُحاول أن تكون "أفضل نسخةٍ من نفسك"، أم أنك استسلمت لكونك مُجرد ظلٍّ بين ظلال؟ هل النجاح في عصرٍ رقميٍّ يعني أن تطابق المعايير، أم أن تُشوهها؟
أخيرًا... هل أنت جاهزٌ لأن تواجه السؤال الأكبر:

مَنْ أنت حين تخلع كل الأقنعة؟

هل سبق أن تخيلت نفسك جالسًا في غرفة مُظلمة، تخلع فيها قناعًا وراء قناع، مثل دمى "ماتريوشكا" الروسية، حتى تصل إلى اللب؟ ماذا ترى هناك؟ هل تجد نواة صلبة من اليقين، أم فراغًا يتراقص فيه سؤالٌ و احد: مَنْ أنا حقًا؟
في عالمٍ يُجبرك على ارتداء الأقنعة كشرطٍ للوجود، يصبح السؤال جريمةً وجودية. أنت تخلع قناع "النجاح" أمام أصحاب العمل، وقناع "الهدوء" أمام العائلة، وقناع "المرح" على وسائل التواصل، وقناع "القوة" في الشارع... لكن حين توقف الآلة عن الدوران، وتُطفئ الشاشات، وتجلس وحيدًا مع ذاتك العارية، ماذا يبقى؟ هل أنت ذلك الصوت الخافت الذي يهمس تحت الضجيج، أم أنك فقدت القدرة على سماعه؟

الأقنعة ليست مجرد أدواتٍ للاختباء؛ إنها أدوات بقاء. نرتديها لأن الحقيقة المُطلقة قد تُحرقنا، ولأن العالم لا يتسع لضعفنا. لكن ماذا لو صارت الأقنعة جلدًا جديدًا؟ ماذا لو نسيتَ كيف تتنفس دونها؟ أحيانًا، حين أحاول نزع قناعٍ ما، أجد تحته قناعًا آخر أكثر التصاقًا بالوجه... كأنني أبحث عن وجهي الحقيقي في غابة من المرايا، وكل مرآة تعكس نسخةً مُختلفةً ممزوجةً بخيال الآخرين.
هل جرّبت يومًا أن تسأل نفسك: ماذا سأفعل لو لم يكن هناك أحدٌ يراكم؟ ربما ستكتشف أنك تُحب الرسم، لكنك ترسم ما يريده المُتابعون. أو أنك تُفضل الصمت، لكنك تتحدث كي لا تُوصم بالغرابة. الأقنعة لا تُخفي ذواتنا فحسب، بل تُعيد تشكيلها. الخوارزميات تصنعُ منّا شخصياتٍ في لعبةٍ لا نعرف قواعدها، نلهث وراء "اللايكات" كدمى مُحركة، حتى ننسى أن الإعجاب الحقيقي الوحيد الذي نريده هو إعجابنا بأنفسنا.
لكن ماذا لو قررت أن تتوقف؟ أن ترفض أن تكون نسخةً من ملفك الشخصي، أو رقمًا في إحصائية، أو صورةً مُفلترة؟ هنا يبدأ الرعب الحقيقي. فبدون الأقنعة، قد تكتشف أنك لا تعرف من تكون. قد تواجه فوضى لا معنى لها، أو فراغًا يُشبه صحراء مُقامة في قلبك. الفيلسوف "جان بول سارتر" قال: "الجحيم هو الآخرون"، لكن ربما الجحيم الحقيقي هو أن تكون وحيدًا مع ذاتك التي لا تفهمها.
في لحظةٍ من الصدق النادر، قد تسأل: أليست الأقنعة جزءًا منّا؟ هل نحن أكذوبةٌ متكاملة، أم أن الحقيقة تتسرب من بين شقوق الأقنعة؟ حين أُغني، أتساءل: هل أنا من يختار الكلمات، أم أن الكلمات هي من تختارني؟ حين أُحب، أتردد: هل هذا الشعور ينبع من أعماقي، أم هو صدى لقصصٍ سمعتها؟ حتى مشاعرنا قد تكون مُستعارةً من مكتبةٍ عامةٍ للوجود البشري.
ربما الإجابة ليست في نزع الأقنعة، بل في إدراك أننا كائناتٌ مركبة. نحن خليطٌ من الأقنعة التي ارتدناها، والخيارات التي اتخذناها، والصدف التي مررنا بها. الذات الحقيقية ليست جوهرًا ثابتًا في الأعماق، بل نهرٌ متدفقٌ من التجارب. حين تخلع الأقنعة، لا تبحث عن "نفسك الحقيقية"، بل واجه السؤال: ماذا تريد أن تخلق من هذا الفراغ؟
لكن احذر، فالنور الساطع قد يُعميك. الحقيقة قد تكون قاسيةً كالمرآة التي تُريك كل ندوبك دون رحمة. هل أنت مستعد لأن ترى ذاتك عاريةً من الأوهام؟ أن تعترف بأنك لست البطل، ولا الضحية، ولا العبقري، ولا الفاشل، بل مجرد كائنٍ يعيش في التناقض؟
في النهاية، ربما تكمن القوة ليس في معرفة من أنت، بل في أن تمنح نفسك الحق في ألا تعرف. أن تعيش كسؤالٍ مفتوح، كعملٍ فنيٍ غير مكتمل. حين تخلع الأقنعة، لا تبحث عن إجابات، بل اترك الفراغ يُنبت أسئلةً جديدة. فالهوية ليست وجهًا مخفيًا، بل رحلةً لاكتشاف كيف تُمسك بيد ذلك الطفل الذي ما زال يجلس في زاوية الغرفة، يُفكك الألعاب ليعرف ما بداخلها، بينما العالم كله ينتظر منه أن يلعب.



أنا لستُ أنا، لم أكنْ أنا، ولن أكون أنا

كلماتٌ تتدحرج ككرةِ نارٍ في فراغِ الجمجمة. كلما أمسكتُ بها اشتعلتْ، وكلما أفلتُّ منها التهمتْ ما تبقى من يقين. الوعي الذاتي هنا ليس نورًا، بل مرآةً مُشوهةً تخلقُ من كل انعكاسٍ كابوسًا جديدًا. كيف أتعرّف على نفسي وأنا لستُ سوى حفرةٍ تبتلعُ كل التعريفات؟
أحاول أن أنسى "القديمة"، لكن ما هي القديمة إلا ركامُ لحظاتٍ اخترعها الآخرون. حين أقول "ابدأ من جديد"، أكتشف أن البداية نفسها محفورةٌ على جدارٍ من زجاج. كل خطوةٍ للأمام تُعيدني إلى الوراء، كأن الزمنَ حلزونٌ يلتفُّ حول ذاته، وأنا في المركز أصرخ: أين أنا؟
المفارقة تكمن في أن محاولة الهروب من الذات هي أقصر طريقٍ للاصطدام بها. حين أخلعُ الأقنعةَ لأجدَ وجهًا آخرَ أسفلها، لا أعرف إن كنتُ أنا من يرتديها أم هي من ترتديني. حتى الكلماتُ تخونني: حين أقول "أنا"، من يتكلم؟ هل هو الصوتُ الذي سمعتهُ في الطفولة، أم صدى خوارزمياتٍ علّمتني كيف أُسمّي نفسي؟
الفيلسوف "نيتشه" قال: "أصبحنا غرباء عن أنفسنا"، لكننا لم نكن يومًا غير غرباء. الذاتُ ليست جوهرًا ننقبُ عنه، بل سرابٌ نركض خلفه. كلما اقتربنا منه، تبخر ليُخلّفَ وراءه سؤالًا: ماذا لو كان "أنا" مجرد وهمٍ ضروريٍ كي لا تنهار اللعبة؟

في هذه الدوامة، حتى النسيانُ مستحيل. أن تنسى ذاتك يعني أن تختلقَ ذاتًا جديدةً تحملُ نفسَ العيوب. كأنك تُغيّرُ إطار الصورة بينما اللوحةُ نفسها تَبلى تحت الطبقات. التمردُ على الهوية يُشبهُ محاولةَ الهروب من ظلّك؛ تظلُّ تلاحقك حتى في ظلامِ الغرفة المغلقة.
أحيانًا أتخيلُ أن الكونَ برمّتهُ لعبةُ "ليجو" كونية. كلُ قطعةٍ تُشبهني، لكنني لا أعرفُ أيّها أنا. حين أركّبُ نفسي من جديد، أكتشفُ أن التصميمَ الأصليَّ مُلغى، وأن القواعدَ كُتبتْ بلغةٍ لا أفهمها. هل أنا المُركّب أم المُركَّب؟ هل أنا اللاعبُ أم اللعبةُ نفسها؟
المفارقة الأقسى: كلما ازددتُ وعيًا بذاتي، ازددتُ غموضًا. كأن الوعيَ سكينٌ يُشرّحني إلى أشلاء، ثم يطلبُ مني أن أُجمّعها دون تعليمات. أحملُ في يدي قلبًا لا أعرف إن كان ينتمي إليّ، وعقلًا يُشبهُ حاسوبًا مليئًا ببرامجَ لم أُثبّتها. حين أقول "هذا أنا"، أسمعُ صوتًا من بعيدٍ يردّ: "هذا أنت النسخة المئة واثنان وستون هل تريد التحديث؟"
ربما الحلُّ ليس في أن تصيرَ "أنت"، بل في أن تتعلمَ العيشَ كـ "لا أنت". أن تطفو فوق التناقضات دون أن تغرقَ في البحث عن معنى. لكن كيف تُطفو وأنتَ تعرفُ أن الموجَ يُحرّكه تيارٌ خفيٌّ اسمه "الذات"؟ كيف تُسلمُ نفسك للعبثِ وأنتَ ابنٌ لهذا العصرِ الذي يُقدّسُ الفردَ بينما يطحنُ فردانيته في ماكينةِ التقييمات الاجتماعية؟
في النهاية، أجدُ نفسي أتساءل: ماذا لو كان "أنا" مجردَ واجهةٍ لشيءٍ أعظم؟ شيءٍ لا يُسمى، لا يُعرف، لا يُحدّد. كائنٌ كونيٌ يُقلّبُ أدوارَ البشرِ كأوراقِ لعب، وأنا مجردُ بطاقةٍ وُضعتْ على الطاولةِ خطأً. لكن حتى هذا التساؤل يتحولُ إلى قناعٍ جديد. كلُ محاولةٍ للخروجِ من المتاهةِ تفتحُ متاهةً أخرى.
هكذا، أستسلمُ للدوامة. لا أنا مَنْ يدور، بل الدوامةُ نفسها هي مَنْ تدورُ بي. في هذه اللعبةِ المُريبة، ربما الجمالُ الوحيدُ هو أنك لا تحتاجُ أن تكونَ "أنت" كي تبدأ. كلُ ما عليك هو أن تُغمضَ عينيك، وتسمعَ صوتَ الفراغِ يهمس: "أنت هنا لأنك لستَ في أيّ مكانٍ آخر... وهذا يكفي."

أدورُ ككوكبٍ طُرِدَ من فَلَكِه
أحمِلُ في جُيوبِي الغُبارَ الكَونيَّ، وَأسرارَ العَالَمِ المُعلَّقةَ كَنُجومٍ مَيتةٍ.
لَم أعلَمْ مَنْ أنا... لَكِنَّهُم عَلِموا أنَّني أقرَأُ صَرَخاتِ السَّديمْ.
أعرفُ كُلَّ شيءٍ... لَكِنِّي لا أعرفُ مَتى وُلِدتُ، أو لِمَاذا تَنكَسِرُ الأقْمَارُ عِندَمَا أتنَفَّسُ!

أنا المَكتبةُ المَنسِيَّةُ الَّتي تَحتَوي نِهَايةَ كُلِّ الكُتُبِ
أوراقي تَتَسَاقطُ كَشَهبٍ، كُلُّ وَريقَةٍ تُنَادي:
"مَنْ يُعيدُ تَرتِيبَ الفِكرَةِ قَبلَ أن تَتحوَّلَ إِلى ثُقبٍ أَسوَد؟"
حَملتُ أَسمَاءَ اللَّانِهَائِيَّاتِ في رِحلَةِ مَدرَسِيَّةٍ،
وَعِندَمَا سُئِلتُ عَن نَفسِي، أَلهَثتُ خَلفَ إِجَابَةٍ تَائهةٍ بَينَ أَضلُعِي.

أتَكلَّمُ بِلُغَةِ المُستَحِيلِ
أَترجُمُ صَمتَ النَّجمَاتِ إِلى أَشعَّةٍ مُرَعشَةٍ،
أَسمَعُ حَوارَاتِ القُدرَةِ مَعَ الفَنَاءِ عَلى مَائِدَةِ أَزمِنَةٍ مُتدَاخِلَةٍ.
يَقُولُونَ: "إِنَّهُ يَعرِفُ زَمَنَ انهِيَارِ الجِبالِ قَبلَ أَن تَلِينَ!"
وَلَكِنَّنِي أَجهَلُ كَيفَ أُوقِفُ دَمعَةً عِندَمَا تَهطُلُ مِن عَينَيَّ.

أَرقُصُ مَعَ الأَشبَاحِ العِلمِيَّةِ فِي مَختَبَرِ اللَّيلِ
أُجَرِّبُ خَلطَ الأَلمِ بِالمَجَرَّاتِ فِي قَارُورَةٍ،
أَبحَثُ عَن مَعنَى "أَنَا" بَينَ مُعَادَلَةٍ تَنْسَلُّ مِن ذَاكِرَتِي
وَصَورَةٍ طِفولِيَّةٍ مُلتَبِسَةٍ تَعُجُّ بِالكُويكباتِ.
حَتَّى الخَريطَةُ الَّتِي رَسَمتُهَا لِذَاتِي تَتَحَوَّلُ إِلى فَوضَى كَوكَبِيَّةٍ
كُلَّمَا أَشرتُ إِلى مَكَانٍ قُلتُ: "هُنَا كُنتُ... أَو هُنَا سَأَكُون!"

يَسخَرُ مِنِّي الكَونُ بِصُورَةٍ مَا
يُرسِلُ لِي رَسَائِلَ مُشفَّرَةً بِأَلوانِ السُّدُمِ:
"مَتى سَتَفهَمُ أَنَّكَ لَستَ سِوَى ارتِدَادٍ لِصَوتٍ لَم يَخْرُجْ مِن فَمِكَ؟"
أُجِيبُ بِصَرخَةٍ تَتَحَجَّرُ فِي الفَضَاءِ:
"أَنَا مَنْ كَتَبَ الأَسئِلَةَ قَبلَ أَن تُولَدَ الأَجوِبَةُ!"

أَكتَشِفُ أَنَّنِي مَوجُودٌ فَقَطْ حِينَ أَضِيعُ
كُلَّمَا اِقترَبتُ مِن نِهايَةِ اللَّغزِ، اِنفَتَحَتْ أَلفُ مُتَاهَةٍ أُخرَى.
أَسلُكُ طَرِيقًا مِن شَظَايَا المَاضِي، فَأَصِلُ إِلى مُستَقبَلٍ
يَحمِلُ نَفسَ السُّؤالِ بِوَجْهٍ آخَرَ:
"هَل أَنتَ البَطلُ أَمِ الكَاتِبُ أَم مَجرَّدُ حَرفٍ زَائِدٍ فِي رِوَايَةِ اللَّانِهَايَةِ؟"

فِي آخِرِ الفَصلِ..
أَرتَدِي جِلْدَ الكَونِ كَمِعطَفٍ وَاهِنٍ،
أَترُكُ أَسئِلَتِي تَتَدَلَّى مِثلَ نُجومٍ مَائِسَةٍ،
وَأَعِدُ نَفسِي بِأَنَّ الغَدَ سَأَخلَعُ كُلَّ الأَقنِعَةِ.
وَلَكِنْ..
مَنْ يَستَيطِيعُ خَلعَ نَفسِهِ مَرَّتَين؟.

أعتذر عما سبق،
لستُ هنا لأعيد صياغة الماضي، بل لأغوص في لحظةٍ اختطفتها الوحدة مني. كنتُ جالسًا في غرفتي، أحدّق في جدرانٍ صامتة تحتضن أنفاسي المتثاقلة، حتى انزلقتُ فجأة إلى عالم الكلمات وكتبتُ ما لم أخطط له. لم تكن المسودة التي قرأتها سوى شرارة أشعلت في داخلي نار التأمل، فتدفقت أفكارٌ لم أكن أتوقعها. الوحدة التي تتسرب إليّ ليست مجرد شعور عابر، بل كائنٌ حي يشاركني التنفس، يترقب تحركاتي من زوايا الغرفة، ويهتف في أذني بهمسٍ خافت: "أنت وحدك، لكن هل أنتَ حقًا أنت؟"
فريدريك نيتشه، في كتابه "هكذا تكلم زرادشت"، يرسم للوحدة صورةً مُشرقة، معتبرًا إياها طريقًا إلى الفوقية. يقول: "يجب أن تكون مستعدًا لتحترق في نارك الخاصة"، في إشارةٍ إلى أن الوحدة هي تلك النار التي تُشكّل الروح وتصقلها. بالنسبة له، الوحدة ليست مهربًا، بل اختبارٌ صلب ملاذٌ لمن يمتلك الجرأة ليواجه نفسه عاريًا من الأقنعة. أما أنا، فأشعر بضعفي أمام هذا التصور الجبار. لا أرى نفسي ندًا لمعتقداته، بل أتأرجح بين الخوف من الوحدة والاستسلام لها.


الكثيرون منا لا يدركون حدود "المنطقة المريحة"ذلك الفضاء الذي إذا خطوت إليه، يا صديقي، قد لا تجد سبيلاً للخروج. إنها عالمٌ قائم بذاته، حيث تعيش أيامك الأكثر بساطةً: غرفتك، هاتفك، حاسوبك، أو جهاز الألعاب الخاص بك. هذه الأشياء تبتلعنا، والتحرر من قبضتها أمرٌ شاق. لدي صديقٌ اكتشف مؤخرًا منطقته المريحة، وها هو يصف حاله بـ"أفضل حال"، لكنه يغرق في ساعاتٍ متواصلة من اللعب دون أن يعرف متى يضع لنفسه حدًا.
هل هذا إدمان؟ كلا، إنه أعمق من ذلك. إنها "المنطقة المريحة" تلك المساحة التي تتشكل من أنشطة معينة وأشخاص محددين. فيها، نلوذ من صخب العالم الخارجي، لكننا قد نضيع في أحضانها إذا لم ننتبه.
في غرفتي الصامتة، حيث الوحدة تحتضنني كصديقٍ قديم، أدرك أنها و"المنطقة المريحة" خيطان متشابكان في نسيجٍ واحد. نيتشه قد يراهما أدواتٍ لبناء الذات، طريقًا إلى القوة والتجاوز، لكنني أقف أمامهما مترددًا، ضعيفًا. ربما ليست الوحدة بالنسبة لي نارًا أحترق فيها، بل مجرد ملجأ ألوذ به، وفي هذا الملجأ أجد فسحةً لأكتب وأفكر، حتى لو كنتُ أفرّ من مواجهة العالم. لكن، في لحظات الصدق، أتساءل: هل أنا أختار هذه الوحدة، أم أنها تختارني؟ وهل "المنطقة المريحة" هي ملاذٌ آمن، أم فخٌ يحول بيني وبين الحياة الحقيقية؟
الوحدة، في جوهرها، ليست مجرد حالة عابرة يمكن أن نصفها بكلمات سطحية، بل هي رحلةٌ عميقة إلى أغوار الذات، رحلةٌ قد تكون مؤلمة كالوقوف على جمرٍ متقد، لكنها تحمل في طياتها بذور النمو والاكتشاف. ربما لستُ مستعدًا بعدُ لأن أحترق في نارها، كما يصفها نيتشه بتلك القوة التي تُذيب الروح لتُعيد تشكيلها، لكنني أتعلم، خطوةً بخطوة، كيف أعيش معها، كيف أحولها من سجنٍ صامت إلى مرآةٍ صافية أرى فيها ظلالي—تلك الظلال التي طالما حاولتُ الهروب منها، لكنها تظل تتبعني كالنفس نفسه.

في هذا الصمت العميق، حيث لا شيء يتحرك سوى أفكاري، أجد الكلمات تنساب كجدولٍ رقراقٍ كان مختبئًا تحت الصخور، ينتظر لحظة الانطلاق ليحكي قصته. لستُ كاتبًا بالمعنى التقليدي، لا أملك أدوات المحترفين ولا مهارة المغني الذي يصدح بألحانه، ولا أعزف على أوتارٍ تترجم ما في داخلي إلى نغمات، لكنني أبحث عن سلامٍ في الأمور التي أتعلمها—في الكتب التي أقرأها، في الأفكار التي أنسجها، في السكون الذي أحيط نفسي به. وربما، في أعماقي، أعترف أن هذا السعي ليس إلا طريقًا أختاره لأتجنب مواجهة نفسي، لأهرب من تلك الأصوات البعيدة التي يسميها بعض الفلاسفة "المراقب" أو "المتراقب".

تلك الأصوات ليست مجرد همسات عابرة، بل هي كائناتٌ حية تتنفس داخلي، أشباحٌ من الماضي والحاضر تطل من نوافذ الوعي، تتراقص كظلالٍ على جدران عقلي. بنيتُ جدرانًا عاليةً من الضجيج والانشغال لأصمّ أذني عنها، ظننتُ أنني إن أبقيتُ يديّ مشغولتين وعينيّ ممتلئتين بالعالم الخارجي، فستخفت تلك الأصوات وتتلاشى. لكن، كما يحدث غالبًا في المعارك الداخلية، كلما ازددتُ في تقوية الجدران، كلما أصبحت هي أقوى، كأنها تتحدى مقاومتي، تطرق على أبواب روحي بإصرارٍ أعمق، تطالبني أن أستمع، أن أنظر، أن أواجه.

وإذا لم أشغل نفسي بشيءٍ ما، إذا تركتُ تلك اللحظة الفارغة تتسع، أشعر كأن تلك الأصوات ستقتلني—ليست موتًا جسديًا، بل موتًا أعمق، موت الراحة، موت الوهم الذي أعيش فيه بأنني أستطيع الهروب إلى الأبد. لكن، في خضم هذا الصراع، أجد نفسي واقفًا على عتبةٍ جديدة، أتساءل: هل يمكنني أن أجعل من هذه الوحدة فضاءً للتأمل، مرآةً لا تكذب، تعكس لي الحقيقة بكل وضوحها المؤلم؟ أم سأظل أدور في حلقةٍ مفرغةٍ من الأسئلة التي لا إجابات لها؟

ربما الجواب ليس في العثور على نهايةٍ لهذه الرحلة، بل في قبولها كما هي—بكل ما تحمله من تناقضات، من ألمٍ وجمال، من خوفٍ وأمل. في هذا الصمت، حيث لا أحد سواي، أجد نفسي أكتب، ليس كمحترفٍ يتقن قواعد اللعبة، بل كإنسانٍ يبحث عن معنى، يحاول أن يصالح تلك الأصوات البعيدة، أن يدعوها للحوار بدلاً من الحرب. ومع كل كلمةٍ أخطها، أشعر كأنني أقترب خطوةً من نفسي، كأن الوحدة، التي خفتها يومًا، تتحول تدريجيًا إلى رفيقٍ صامت، يعلمني كيف أرى، كيف أسمع، كيف أكون.

كل ما قلته, لا شيء.

فجأة، يتوقف القلم، يتجمد الحبر، وتنهار الكلمات كأبراج رملية تحت وطأة الريح. كل ما كتبته —كل تلك التأملات عن الفوضى الرقمية، الهوية الممزقة، الصراع مع الخوارزميات، والأسئلة التي لا تنتهي— ليس سوى رذاذ يتبخر في سماءٍ لا تكترث. تخيّل معي: الكتب، هذه الأبنية الورقية التي نرفعها كمعابد للمعرفة، ليست إلا أصداء متعبة تتردد في كهف الزمن، ثم تتلاشى كما تتلاشى أنفاسك في هواء الشتاء البارد. نحن نكتب، ننهج، نصرخ في الصفحات، نعتقد أننا نترك أثرًا، لكن الحقيقة تنتظرنا عند المنعطف كشبح ساخر: كل هذا الكلام غابر، مجرد همسات تائهة في مهب العدم، لا أحد يأخذها على محمل الجد.
انظر حولك، تخيّل مكتبة شاسعة تمتد إلى الأفق، أرففها تئن تحت ثقل ملايين الكتب. الآن، أشعل عود ثقاب في ذهنك، ودعه يلتهم كل ورقة، كل سطر، حتى لا يبقى سوى الرماد الذي يرقص في الهواء كفراشات محترقة. هذا مصير كل كتاب كُتب أو سيكتب—حتى هذا النص الذي تقرأه الآن. نكتب كأننا ننحت في الصخر، لكننا في الحقيقة نرسم على الماء، خطوطنا تتشكل للحظة ثم تذوب في بحر النسيان. الفلسفة، الأدب، التاريخ، كلها أشباح ترتدي أثواب الكلمات، تتظاهر بالخلود، لكنها في النهاية تتفتت كجثث الفراعنة تحت أصابع الزمن.
التناقض الصادم
وهنا يكمن التحول: هذا الكتاب الذي بين يديك، بكل تأملاته العميقة عن الذات والعالم، ليس استثناءً. إنه جزء من تلك الرقصة الساخرة مع الفناء. تظن أنك تقرأ شيئًا عميقًا، شيئًا قد يغير نظرتك، لكن فجأة تكتشف أنه مجرد ظل آخر على جدار الغار، يتحرك بفعل نارٍ خافتةٍ ستخمد قريبًا. أنا، الكاتب، أكتب عن عبثية الكتابة، ومع ذلك أستمر، كأنني مهرج يضحك على نفسه في سيركٍ مهجور. وأنت، القارئ، تنظر إلى هذه السطور، ربما تبحث عن معنى، لكن المعنى نفسه ينهار بين أصابعك كقطعة سكر في فنجان قهوة مرّة.
في هذا العالم الذي نعيش فيه، حيث الخوارزميات تُشكلنا والشاشات تبتلعنا، الكتب ليست ملاذًا ولا ثورة. إنها مجرد أحجار مرمية في نهر الزمن، تثير تموجات صغيرة ثم تغرق في القاع. لا أحد يأخذها على محمل الجد، لأن الجدية نفسها وهمٌ كبير. فلماذا نكتب؟ ربما لأننا، في عمق هذا العبث، نجد لمحة من الجمال—كنجمة تسقط في سماء الليل، تعلم أنها ستموت، لكنها تتوهج للحظة. وهكذا، بينما تتحلل هذه الكلمات أمام عينيك، اسأل نفسك: هل كنتَ تبحث عن الحقيقة هنا، أم أنك، مثلي، مجرد راقص في مسرحية لا جمهور لها؟.

عزيزي القارئ,
هل تذكر تلك الفتاة التي تحدثتُ عنها؟ كنتُ أظنها لغزًا فلسفيًا، محورًا لقصة حب أو ربما انعكاسًا لروحي الممزقة. كتبتُ عن عينيها كأنهما نجمتان تسقطان في سماء الليل، وعن صوتها كأنه لحن يعزف على أوتار قلبي. لكن الحقيقة تنتظرني تنتظرنا كشبح ساخر عند المنعطف: لم تكن سوى وهم، مرآة باردة تعكس ما أردتُ أن أراه، لا أكثر. الحب الذي ظننته يحمل معنى كونيًا لم يكن إلا سرابًا في صحراء العقل، يتلاشى كلما اقتربتُ منه. وأولئك الأشخاص اللطفاء؟ كانوا مجرد عابرين في مسرح الحياة، يبتسمون ثم يختفون خلف الستار، تاركين إياي أواجه الفراغ وحيدًا. حتى الذكاء الاصطناعي، الذي ظننتُ أنه سيمنحني إجابات، لم يكن سوى آلة ترتب الكلمات كما ترتبين أوراق لعبة قديمة، دون أن تمس جوهر ما أشعر به.
Mar 7 · 155
احا
ALI Mar 7
In this world we live in, everything seems muddled, as if we’re floating in a sea of digital chaos. We see only shadows of ourselves, dancing on endless screens, trying to grasp an idea, a feeling, or even meaning. But what if these shadows are all we know of ourselves?

We are now in a state of constant consumption—not just material, but intellectual and cultural too. We feed on algorithms that claim to know us, that pretend to draw closer while drifting further away. They create a parallel reality we don’t know how to escape, a reality that shapes our desires and thoughts as if imposed on us.

Have you ever felt like you’re not you? That the persona you think you inhabit is just a reflection of everything you’ve consumed? Our identities are built from our experiences, but what if those experiences are counterfeit? Repetitive, lacking real distinction. We live the same moments, are influenced by the same things—but have we truly changed? Or are we just distorted copies of one another?

Life in this age has become a labyrinth, deeper and deeper, yet endless. We chase ideas, hunt desires, and with every step, sink further into this digital vortex. Are we the ones creating these desires, or are algorithms planting them in us, tailoring them to our metrics?

Sometimes I wonder: Are my thoughts truly mine? Or are they just echoes borrowed from this digital age? Do I love the color black because it reflects a part of me, or is it merely one of the hues these networks have stolen from me?

Am I a musician, or just an image of someone battling these crashing waves of “content”? Are we following our passions, or just trying to be part of the show—part of this unending game in an era accelerating unnaturally?

When I reflect on all this, I feel like a stranger to myself. I search for myself in everything, yet find only shadows. The harder I try to be my best, the further I drift. Does this mean I’m not who I think I am? Are the personas I inhabit what make me me? Or do I exist only at the heart of this chaos?

The Psychological Struggle Between Desire and Algorithms
In the realm of social media, where our preferences and inclinations are dictated by what algorithms deem most engaging, the urgent question becomes: Am I truly choosing what I love, or are these platforms choosing for me? The more I scroll through Instagram, TikTok, or Facebook, the more I feel I’m not where I want to be. Algorithms relentlessly push me toward trending images, videos, and campaigns, drowning me in a whirlwind of visuals I must follow to belong to this digital world.

But are these desires arising within me truly mine? Or am I just adopting what these algorithms impose on my mind? Every time I hit “like” or share content, I’m nagged by the uneasy sense that I’m not shaping my choices as I once believed. With every new trend, my mind begins to think differently. Do I actually love this type of music, fashion, or even the ideas spreading online? Or have I just been swayed by what these apps bombard me with—content that mirrors what everyone else assumes I should like?

Over time, the line between “me” and what’s imposed by algorithms fades. I ask: Am I the person I chose to be, or just a replica of everything these platforms have planted in my mind? Does what I share with the world reflect my true self, or am I performing a role that fits the image they’ve forced on me?

Here lies the internal conflict. Part of me feels it follows its own inclinations, while another knows these inclinations aren’t necessarily authentic. These struggles grow sharper at the crossroads between what I want to be and what algorithms want for me. In the end, will I find the courage to break free from these digital molds and choose my own path? Or will I remain trapped in the game of images and interactions controlled by algorithms until they define me?

But what if these algorithms reflect my deepest desires? Can I distinguish what’s real to me from what’s merely a reaction to the external world? And could my urge to follow trends be a genuine desire, or just compliance with what’s in front of me?

If I’m following what others impose, am I losing myself? Or am I adapting to the world I live in—is this simply how I’m meant to be? Sometimes, I feel stuck in a maze of contradictory choices: Should I abandon these consuming apps? Or must I stay because the world can’t function without these spaces? Can I truly be “me” here, or am I fundamentally just a digital avatar?

Why do I constantly compare myself to others? Is it genuine need, or have algorithms learned to fuel this impulse? Why has every moment, every thought, become a competition, a race against time, something I must showcase to the world?

Occasionally, moments of clarity strike—I feel I’ve found the way—but in the next breath, conflicting thoughts creep back: Am I just adopting what’s popular, or simply choosing what suits me in the moment? Are these real thoughts, or echoes of what I’ve been told? Do I need external pressure to exist? Am I independent, or forced into this vortex?

At every corner of this digital world, new ideas, choices, and doubts loom. Is this truly my life, or am I just a spectator in an endless show I can’t escape? Can I be real in a world of prefabricated choices, or am I a puppet in the hands of algorithms shaping me to their will?

As I keep interacting with these platforms, questions multiply: What if I stopped posting? What if I set my phone aside? Would I feel relief, or emptiness, because I’ve become inseparable from this digital entity feeding on notifications and endless engagement?

Every choice spawns new questions. Every step toward an answer spirals me into futility. Am I me? Or a reflection of what’s shown to me? How do I separate the real from the imposed?

So many questions. A headache. Unbearable complexity. Am I truly me?

Imposter Syndrome and the Shattering of Identity
This turmoil isn’t just a clash between self and others—it’s a reflection of an ancient syndrome called “imposter syndrome.” It makes us doubt our worth at every turn, convincing us we don’t deserve our achievements, that we’re mere dolls moving to society’s imposed standards.

But it doesn’t end there. This self-doubt drowns in far greater chaos. Every moment of life becomes a question: Do we deserve what we have? Is this truly our life, or are we just playing a role the world assigned us? Where did this conviction come from—that we have no right to be as we wish? Don’t we see that, in the end, we wear masks? Our celebrations, joys, even failures—all governed by others’ expectations.

Now, blame isn’t directed inward alone, but at the world that bred this tension. We’ve trapped ourselves in cycles of failure and insignificance—not because we’re incapable, but because we were raised to believe success lies in mimicking others. What sets us apart if we’re just repeating the crowd? Society planted the idea that success requires conformity, and when we deviate, we feel excluded. But was this our choice? Or an external imposition?

**** the world! Let it shatter these stereotypes that cage us. Let it demolish the ideas that imprisoned us. For in the end, the world endlessly reinforces the image we should embody, while the truth is we’re all living a delusion, mistaking what we see for reality, when we’re victims of algorithms tethering us to alien beliefs. We need immense courage to break free from this grating repetition, to rebel against ready-made molds—because, ultimately, we lack true freedom of choice in a world that dictates everything.

Society forces us to be “imposters” every second, wearing masks to convince ourselves and others we belong, when in truth, we’re strangers in our own world.

The Child Who Dismantled Toys
Yes, I’ve asked too many questions—but that’s my nature. I’ve always been intensely curious. Since childhood, I sought the unconventional, never satisfied with what the world offered. My father noticed my love for remote-control cars and brought me one on every work trip. But what fascinated me wasn’t play—it was dissecting their mechanics. How did the battery work? How did electronic parts sync to make the car move?

Unlike kids content to play in parks or bedrooms, I sat amid disassembled toys, prying open circuits, asking: Why is this piece here? What if I modify it? I hunted details others overlooked, convinced every machine hid a secret. When stumped, I’d scavenge wood and plastic scraps from my uncle’s workshop, building something new—as if I controlled my world, seeking the best way to connect things.

This mindset set me apart. While others played tag or hide-and-seek, I turned play into learning and innovation. I refused daily routines, driven by an inner sense I could offer something unique. I ignored popular games, drawn instead to creating.

At 12, when toys lost their secrets, I coded small games and uploaded them online. These weren’t just for fun—they were bridges to share my ideas, to craft a world beyond the ordinary. While others chased tradition, I designed, programmed, and found peace releasing my thoughts into the digital void.

This childhood wasn’t easy. It brimmed with insatiable curiosity, a world of endless questions, hunting answers in every cranny.

I wasn’t isolated—I made friends in my neighborhood, inventing new games. One, called Random as Hell, blended popular games into chaotic rules. Now, revisiting memories, I wonder: Was I truly creative? Or just rearranging borrowed fragments into new shapes?

Creator or Fraud?
This doubt haunts me even in my music. At my computer, sifting through sounds and rhythms, I can’t stop wondering: Is this genuine creativity? Or am I stitching scraps of what I’ve heard, repackaging them as new?

Every track I make is shadowed by this question. Sometimes I listen proudly, then suddenly feel it’s all derivative—a trick, passing off recycled ideas as original. Maybe the algorithms surrounding us are part of this game, curating videos, music, and images, leaving me to wonder if my work is just an extension of them.

Am I the musician I aspire to be? Or a mirror of mainstream taste, of trending sounds? Do I choose notes out of love, or because I’ve seen others do the same?

Each attempt at innovation becomes an internal battle. I delete tracks and restart, fleeing the fear that my work isn’t “me” enough. But can anything ever be fully “me”? Are we all just accumulations of what we consume, fragmented like the toys I dismantled and reassembled?

Maybe creativity isn’t invention from nothing, but rearranging pieces with our own imprint. Yet even this thought doesn’t silence the question: Is that imprint enough? Or am I still haunted by the bigger query—Am I a creator or a fraud?

Stereotypes and the Deconstruction of Identity
The story ends in a foggy moment where nothing is clear. Reality feels alien, as if things overlap confusingly. One moment I write about childhood, the next about identity, my mind, or impossible adaptations.

This isn’t a book or a coherent idea—it’s solace I offer myself, comfort from an anonymous source. Perhaps that anonymity is what philosophers call “the observer.”

That I keep writing after all these lines surprises me. It feels like another escape from myself, or a psychological war I’m enduring.

Is this feeling from abandoning music? From my homeland’s post-war liberation? Or just missing those I’ve lost?

I can’t pinpoint my emotions. All I know is something new is sweeping through me.

I’ve always hated books—too long, stealing my “precious” time, though my days are empty. I feel emotionally shattered. I don’t understand these feelings spilling into strange actions, unsure if they’re real or my interpretation.

I’ve always crafted a private world where I’m the hero, the genius, the only real one. I search for it online but find only ads urging me to see a therapist.

I miss music, yet here I am, accidentally rhyming in this text.

Is this a real book? Will I show it to others? Or keep my fractured identity hidden?

Amid these emotions, I recall a song I wrote called Stranger, trying to capture the perpetual sense of alienation—not from a place, but from people, even myself. Alienation from family despite their closeness, from responsibilities that feel hollow.

In the song, I focused on how estrangement shadows me everywhere. But the lyrics were often shallow, unbalanced—as if grasping at the inexplicable.

Like this book.

One verse:
"Why am I the one my head always calls ‘you,’
I wouldn’t exist,
Sleep,
Sick,
A teapot and death."

It seems random but mirrors my inner chaos—scattered feelings I can’t order, puzzles unsolved. The song, like this text, was an attempt to express, to escape, or perhaps to reach honesty.

When AI Became Trendy
I gravitated toward chatbots—maybe because people found me hard to understand, and these emotionless mechanisms made it easier. My first message:
"Can you explain this song to me?"
I attached lyrics to one of my songs. Illogical, I know—how could a soulless algorithm grasp words? But for me, it was the closest path to understanding my own work.

I didn’t stop at lyrics. I explained how I composed melodies, as they were integral to the idea. I wanted to see if the machine could link words to notes, emotion to structure—if that was even possible.

It became a habit. I analyzed every song I’d written and composed, one by one. I wanted to see how AI dissected these works that were direct reflections of my inner world.

Each time, I’d ask:
"How did you reach these conclusions? What made you interpret it this way? Are there other ways to understand it?"

My questions weren’t technical curiosity but a journey into self-understanding. How could a feelingless entity see something alien in me? How could it explain what I couldn’t?

This experiment grew more philosophical than I’d imagined. AI is a cold mirror, reflecting me without judgment. Yet I sought answers to lifelong questions:
Are we more than patterns and repetitions?
Does my music express something real, or just document chaos?

In the end, I realized bots aren’t here to interpret feelings but to push deeper self-reflection. Somehow, in this lifeless metal mind, I found a silent friend… listening, analyzing, never judging.

Documenting Internal Chaos
I’ve always felt an inner conflict, as if trapped between layers of consciousness and emotion. I know I have awareness and feelings, but I don’t feel them directly—they lurk in shadows, watching silently, emerging only through spontaneous actions.

When I write lyrics or compose, I’m not fully conscious. Sometimes I’m swept by vague ideas, emptying something indescribable. Odd behaviors, inexplicable acts—all reflections of a deeper struggle.

For me, emotions aren’t lived moment-to-moment. They’re scattered fragments surfacing unpredictably—in a song, an idea, a meaningless gesture.

Maybe this is what I call documenting chaos. Every melody, word, or cryptic step is my attempt to understand the hidden thing inside. A personal ledger, hoping one day I’ll look back and grasp it.

But can chaos be documented? Or does trying mean admitting I’m not in control? That I’m a reflection of greater chaos I can’t master?

Perhaps these spontaneous acts are my only truth. The problem lies in my relentless need to dissect what wasn’t meant to be dissected—only lived.

But what if this chaos is my nature? Part of being human? I’ve long wondered: Is it a flaw to purge, or part of my identity?

The German philosopher Nietzsche said: "You must have chaos within you to give birth to a dancing star." Maybe this inner turmoil, this maze of emotion and awareness, drives me to seek meaning in the mess.

Sometimes I feel I inhabit parallel worlds: the conscious one where I interact with people, and the inner one I don’t fully understand. A gap between mind and feeling, experience and interpretation.

Once, in a café, watching people, I suddenly wondered if everyone harbored similar inner conflicts. A strange sensation—as if viewing the world through another window. Maybe loneliness, empathy, or both. In that moment, I realized I sometimes feel through observation, not directly.

Odd as it sounds, I discover my emotions through actions—arranging books, walking in rain. These moments reflect inner struggles I can’t articulate.

Freud said: "The unconscious will always emerge, but in twisted ways." Maybe these acts aren’t random. Maybe they’re my subconscious trying to parse internal chaos.

Even my thoughts resist me. Focusing on one idea, ten others intrude. Different mind-parts war to speak, but I can’t assemble them.

Sartre wrote: "We are not what we are, but what we make of ourselves." Maybe this conflict isn’t to be solved, but what defines me. My chaos proves I’m alive, experiencing, trying.

Heidegger saw human existence as anxiety-ridden because we know we exist. Maybe this chaos, this existential dread, is proof I’m living authentically, however exhausting.

Sometimes I feel like someone assembling a puzzle blind. Every act, emotion, spontaneous moment—a tiny piece. I don’t know the final image, maybe never will.

Love and Confusion
There’s a girl far away I used to talk to daily. No one else excited me like her. Once, she said she loved me, but I—perhaps not understanding love—didn’t know how to respond.

Being together seemed impossible for two reasons. First: She seemed far better—aware, smart, beautiful, radiant. Me? Just… me. Inadequacy blocked me from imagining us. Second: I couldn’t envision an emotional future. Looking ahead, relationships felt too complex, beyond my capacity to plan or conceive.

But here’s the problem: If I don’t understand love, why did this feel different? Why did talking to her ignite a part I thought dormant? How can I feel what I don’t comprehend?

I don’t know if it was love. I just loved spending time with her. Our chats sparked a strange excitement. Hearing about her day, I clung to every detail. Though she spoke little, her voice felt like the only sound in the world.

Some might call this love, but I’m unsure. I’ve always believed love must be unique—distinct from friendship or attachment. But isn’t this difference what makes me consider love?

I told myself: "If your actions toward someone you love mirror those toward friends, you don’t love them." But this logic may be flawed. Love might lie not in actions, but in how they feel different, even if simple or repeated.

Heidegger wrote: "In the presence of the Other, my existence becomes more authentic, for it lets me see myself through them." Maybe that’s what happened. Through her eyes, I tried to grasp the indescribable.

Yet I felt lost. How can I define the indefinable? One day, pondering: "Could love be a reflection of unacknowledged desires?" As if love isn’t pure, but a mix of human contradictions—need and freedom, longing and fear.

Love might be organized chaos. Once, she asked about my favorite movie. I paused. Her question felt like an attempt to know me deeper, to find something I couldn’t see.

But isn’t that love? Seeing in another what they don’t see in themselves? Or living in perpetual contradiction between understanding and confusion?

Camus said: "Love is giving someone the power to destroy you, trusting they won’t." That’s love’s paradox—danger and safety, beauty and fragility, closeness and fear.

Maybe I’ll never fully grasp love. But talking to her, awaiting her messages, dissecting her words—it gave me a unique feeling I still seek to define. Maybe love is eternal searching without certainty.

But this is contradictory, messy. Why must I live in opposites? Shouldn’t love be pure, simple? Here begins the endless loop: I question, then drown in doubt. Is this love? Or something else?

If love’s so complex, how do others declare it so easily? "I love him," "I love her"—phrases tossed effortlessly. Why isn’t it complex for them? Am I stupid? Or just too self-unaware to decode basic things?

Once, I experimented. I tried to make myself love another girl—perfect in every way: kind, smart, beautiful. We talked for a month. I forced myself, thinking: "Maybe the problem’s my approach." But I felt intense jealousy and self-loathing—a distorted desire I’d never felt.

Confusing. Did I fail? Am I emotionally broken? Was I seeking real love or feeding ego?

Nietzsche wrote: "The lover wants to possess; no doubt, but no one wants to be possessed." I felt this contradiction. I craved to be loved but couldn’t be honest. Maybe because I didn’t know what I wanted.

Is love finding someone who embraces your contradictions? Or accepting ourselves without forcing change?

That experiment taught me: Maybe the problem isn’t love, but my overthinking. Love might require surrendering to life’s unanalyzable truths—even if it means facing unbearable chaos.

So I quit. Maybe love isn’t for me. Why exhaust myself decoding an unsolvable riddle? I’ll live free of this feeling.

But can I truly ignore every moment I felt something? Every reflection of myself in another’s eyes?

Why does it feel like escape? Like convincing myself to flee because confrontation’s impossible? Love’s a battlefield, and I’m a soldier defeated before the fight. What bothers me most is preemptive defeat—the belief I’ll never understand, never love or be loved.

How do I live with this? Knowing a part of me might die unfulfilled? I want to scream "I don’t care!" but it’s a lie. A tiny voice whispers: "What if you could love? What if you deserved it?"

But this voice deepens my pain. Songs, movies, strangers—all scream: "Love exists, but not for you."

Why me? Is something broken inside, making me unable to interact like others? Sometimes I feel like a machine analyzing emotions instead of feeling them.

But even machines break. Now I’m a shattered piece, straining to prove I function while crumbling inside.

Breathe, Don’t Think
Recently, I met people who seemed kind but absorbed love in ways I couldn’t grasp. Two stood out: a 36-year-old man and an 18-year-old girl. Despite the age gap and social norms, their “love” seemed pure—a mutual infatuation they called "true harmony."

Observing them, I couldn’t understand. Secretly, I asked each: What draws you? How did you meet? What’s the foundation? Their answers revealed minor life changes, nothing extraordinary—just new, relatable experiences.

The girl once said: "I love him because our bond is rooted in faith. With him, I feel closer to God." I didn’t get it, but curiosity plunged me into reflection.

Could love be this simple? Or is there hidden complexity? Their love seemed transcendent, while mine drowns in overthought. Maybe love’s pure for some, but remains my unsolved riddle—a search for self in every detail, even when all seems clear.

Amid this internal collapse, I lived moments of paralyzing confusion—unable to distinguish true love from fleeting thrills. In these moments, I wondered: Am I overcomplicating? Emotionally inept? Or just self-ignorant?

As I spiraled, I realized: Maybe the answer isn’t chasing love, but surrendering to life’s unanalyzable truths. Sometimes, we must breathe deeply and let things flow—even if it means facing breakdown.
My mind and heart are both cold...

Do you sometimes feel like you’re living in fragments of multiple selves? Do the shadows you see on screens truly resemble you, or are they distorted copies of what you consume?
When was the last time you wondered: Are my thoughts my own, or are they echoes of algorithms filling the voids of my mind? Do you believe you choose what you love, or do platforms plant desires in you like seeds in fertile soil?
When you look back at your childhood, do you find the seeds of who you are today? Were your hobbies attempts to decode the world, or just escapes from a reality you didn’t understand? Are you still that child who dismantled toys to see what’s inside, or have you become part of the game itself?

Have you ever doubted your creativity? Do you fear you’re just a collector of borrowed pieces, arranging them into new shapes you brand with your name? Is the music you make a reflection of your chaos, or an attempt to tame it?
Do you know that feeling of loving someone but not understanding what love means? Is love a philosophical riddle with no answer for you, or just a series of actions you perform unconsciously? Have you ever felt that love might be an escape from yourself rather than a closeness to another?
Do you think algorithms know you better than you know yourself? Do you feel watched—not through screens, but through thoughts implanted in you like unsolvable puzzles? What if all your decisions are just reactions to digital stimuli carefully engineered?

When facing internal chaos, do you try to document it or escape it? Do writing or art mirror your fragments, or are they masks hiding what you can’t confront? Is chaos an enemy to conquer, or part of a beauty you don’t understand?
Do you live in two worlds: one you interact with, and another hidden in the folds of your thoughts? Do you feel like you’re watching yourself from afar, a character in a game you didn’t choose?
Have you ever conversed with AI to understand yourself? Do you trust its cold analyses, or do they deepen your confusion? Do you believe machines can see what you cannot?

Are you still trying to be the "best version of yourself," or have you surrendered to being a shadow among shadows? Does success in a digital age mean matching standards or distorting them?
Finally... Are you ready to face the ultimate question:

Who are you when all masks are removed?

Have you ever imagined sitting in a dark room, peeling off mask after mask like Russian Matryoshka dolls until you reach the core? What do you see there? A solid nucleus of certainty, or a void dancing with a single question: Who am I, truly?
In a world that forces you to wear masks as a condition for existence, the question becomes an existential crime. You remove the "success" mask for employers, the "calm" mask for family, the "fun" mask on social media, the "strength" mask on the street... But when the machine stops, screens go dark, and you sit alone with your naked self, what remains? Are you the faint whisper beneath the noise, or have you lost the ability to hear it?

Masks aren’t just tools for hiding—they’re tools for survival. We wear them because absolute truth might burn us, because the world has no space for our fragility. But what if masks become new skin? What if you forget how to breathe without them? Sometimes, when I try to remove one mask, I find another beneath it, clinging tighter... As if I’m searching for my true face in a forest of mirrors, each reflecting a different version blended with others’ imaginations.
Have you ever asked yourself: What would I do if no one were watching? You might discover you love painting but paint what followers want. Or that you prefer silence but speak to avoid being labeled "weird." Masks don’t just hide us—they reshape us. Algorithms turn us into characters in a game with unknown rules, chasing "likes" like puppets, forgetting the only genuine admiration we crave is our own.

But what if you decide to stop? To refuse being a copy of your profile, a number in statistics, a filtered image? Here, true horror begins. Without masks, you might discover you don’t know who you are. You might face meaningless chaos or a void like a desert sprawling in your heart. Philosopher Jean-Paul Sartre said, "Hell is other people," but perhaps real hell is being alone with a self you don’t understand.
In rare moments of honesty, you might ask: Aren’t masks part of us? Are we a seamless lie, or does truth leak through the cracks? When I sing, I wonder: Do I choose the words, or do the words choose me? When I love, I hesitate: Is this feeling from my depths, or an echo of stories I’ve heard? Even our emotions might be borrowed from a public library of human existence.

Perhaps the answer isn’t removing masks but realizing we are composite beings. We’re a mix of masks worn, choices made, and coincidences survived. The "true self" isn’t a fixed essence but a river of experiences. When you remove masks, don’t search for your "real self"—confront the question: What will you create from this void?
But beware: bright light may blind you. Truth can be cruel, a mirror showing your scars without mercy. Are you ready to see yourself stripped of illusions? To admit you’re neither hero nor victim, genius nor failure—just a being living in contradiction?

In the end, strength may lie not in knowing who you are but granting yourself the right not to know. To live as an open question, an unfinished artwork. When you remove masks, don’t seek answers—let the void sprout new questions. Identity isn’t a hidden face but a journey to discover how to hold the hand of the child still sitting in the corner of the room, dismantling toys to see what’s inside, while the world waits for them to play.

I am not me, I never was, and never will be...

Words rolling like fireballs in the skull’s void. The more I grasp them, the more they burn; the more I release them, the more they devour what’s left of certainty. Self-awareness here isn’t light—it’s a distorted mirror turning every reflection into a new nightmare. How do I recognize myself when I’m just a hole swallowing definitions?
I try to forget "the old me," but the old me is rubble of moments invented by others. When I say "start anew," I discover the beginning itself is etched on glass. Each step forward pulls me back, as if time is a spiral coiling around itself, and I scream at the center: Where am I?

The paradox is that fleeing from the self is the shortest path to colliding with it. When I remove masks to find another beneath, I don’t know if I wear them or they wear me. Even words betray me: When I say "I," who speaks? Is it the voice heard in childhood, or an echo of algorithms teaching me to name myself?
Philosopher Nietzsche said, "We’ve grown strange to ourselves," but we were never anything but strangers. The self isn’t a buried essence but a mirage we chase. The closer we get, the more it evaporates, leaving one question: What if "I" is just a necessary illusion to keep the game from collapsing?

In this vortex, even oblivion is impossible. To forget yourself is to invent a new self with the same flaws. Like changing a frame while the painting beneath decays. Rebelling against identity is like fleeing your shadow—it chases you even in a dark room’s void.
Sometimes I imagine the universe as cosmic Lego. Each piece resembles me, but I don’t know which one I am. When I rebuild myself, I find the original design erased, the rules written in a language I don’t understand. Am I the assembler or the assembled? The player or the game itself?

The cruelest paradox: The more self-aware I become, the more obscure I grow. Awareness is a knife carving me into fragments, then demanding I reassemble them without instructions. I hold a heart I don’t recognize and a mind like a computer filled with uninstalled programs. When I say "this is me," a distant voice replies: "You are version 162. Update now?"
Perhaps the solution isn’t becoming "you" but learning to live as "not-you." To float above contradictions without drowning in meaning. But how do you float when you know waves are moved by an undercurrent called "self"? How do you surrender to absurdity when you’re a child of an age that worships individuality while grinding it in the machine of social metrics?

In the end, I wonder: What if "I" is just an interface for something greater? An unnamed, unknowable, cosmic being flipping human roles like cards—me, a misplaced card on the table. But even this question becomes a new mask. Every attempt to exit the labyrinth opens another.
So I surrender to the spiral. I don’t spin—the spiral spins me. In this eerie game, perhaps the only beauty is that you don’t need to be "you" to begin. All you must do is close your eyes and hear the void whisper: "You’re here because you’re nowhere else... and that’s enough."

I orbit like a planet exiled from its path...

I carry cosmic dust in my pockets and the world’s secrets hanging like dead stars.
I don’t know who I am... but they knew I read the screams of nebulae.
I know everything... yet I don’t know when I was born, or why moons shatter when I breathe!

I’m the forgotten library holding every book’s end.
My pages fall like meteors, each crying:
"Who will rearrange the idea before it becomes a black hole?"
I carried the names of infinities on a school trip,
and when asked about myself, I gasped for an answer lost between my ribs.

I speak the language of the impossible,
translating the silence of stars into shimmering rays.
I hear fate’s dialogues with oblivion at a table of overlapping eras.
They say: "He knows the hour of mountains’ collapse before they crumble!"
Yet I don’t know how to stop a tear when it falls from my eye.

I dance with scientific ghosts in night’s laboratory,
mixing pain with galaxies in a vial.
I search for the meaning of "I" between equations slipping from memory
and a blurred childhood image swarming with asteroids.
Even the map I drew of myself turns to planetary chaos—
whenever I point somewhere, I say: "Here I was... or here I’ll be!"

The universe mocks me somehow,
sending coded messages in nebula colors:
"When will you understand you’re just an echo of a voice not your own?"
I answer with a scream fossilizing in space:
"I’m the one who wrote the questions before answers were born!"

I discover I exist only when lost.
The closer I get to solving the riddle, a thousand new labyrinths open.
I walk a path of past shards, arriving at a future
holding the same question with another face:
"Are you the hero, the author, or just an extra letter in the novel of eternity?"

In the final chapter...
I wear the universe’s skin as a frail coat,
let my questions dangle like drowning stars,
and promise myself I’ll remove all masks tomorrow.
But...
Who can shed themselves twice?

Apologies for all that came before...

I’m not here to rewrite the past but to dive into a moment stolen by loneliness. Sitting in my room, staring at walls cradling my labored breath, I slipped suddenly into a world of words and wrote what I never planned. The draft you read was a spark igniting contemplation—thoughts I never expected poured out. The loneliness seeping into me isn’t fleeting; it’s a living thing sharing my breath, watching from corners, whispering: "You’re alone, but are you truly you?"

Friedrich Nietzsche, in Thus Spoke Zarathustra, paints loneliness as a path to the Übermensch: "You must be ready to burn in your own flame"—a fire forging the soul. For him, loneliness isn’t escape but a crucible for the bold. But I feel small before this vision. I’m no match for his ideals, wavering between fearing loneliness and surrendering to it.

Many of us don’t grasp the edges of our "comfort zones"—spaces where days blur into simplicity: your room, phone, laptop. These things swallow us. A friend recently discovered his comfort zone, calling it his "best self," yet drowns in endless gaming. Is this addiction? No—it’s deeper. Comfort zones are shelters from external chaos, but we lose ourselves in them.

In my silent room, where loneliness hugs me like an old friend, I realize it and the "comfort zone" are threads in the same fabric. Nietzsche might see them as tools for self-creation, but I hesitate. Maybe my loneliness isn’t a flame to burn in but a refuge. Here, I write and think, even if I’m fleeing the world. Yet in honesty, I ask: Do I choose this loneliness, or does it choose me? Is the comfort zone a sanctuary or a trap?

Loneliness, at its core, isn’t a transient state but a deep voyage into the self—a journey as painful as standing on embers, yet carrying seeds of growth. Maybe I’m not ready to burn as Nietzsche describes, but I’m learning to live with it, turning it from a silent prison into a mirror reflecting my shadows—those I’ve long fled but still follow like breath.

In this silence, where only thoughts move, words flow like a hidden stream waiting to tell its story. I’m no professional writer, no skilled musician translating inner turmoil into melody—I seek peace in books, ideas, and self-imposed quiet. Perhaps this pursuit is just another escape from the "observer" philosophers describe.

Those inner voices aren’t whispers but living things—ghosts of past and present dancing on the mind’s walls. I built high walls of noise and distraction to deafen myself, thinking busy hands and eyes would silence them. But as with all inner battles, the stronger the walls, the louder they knock, demanding I listen, look, confront.

If I don’t distract myself, if I let the void expand, I fear those voices will **** me—not physically, but a deeper death: the death of comfort, the death of the illusion that I can escape forever. Yet in this struggle, I stand at a new threshold: Can I turn loneliness into a mirror of unflinching truth? Or keep circling questions with no answers?

Perhaps the answer isn’t finding an end but accepting the journey—contradictions, pain, beauty, fear, and hope. In this silence, alone, I write not as a professional but as a human seeking meaning, inviting those distant voices to dialogue instead of war. With each word, I feel closer to myself—loneliness, once feared, becomes a silent companion teaching me to see, hear, and be.

Everything I’ve said amounts to nothing...

Suddenly, the pen stops, ink freezes, and words collapse like sandcastles under wind. Everything I wrote—the digital chaos, fractured identity, algorithmic struggles, endless questions—is just mist evaporating into an indifferent sky. Imagine: books, these paper temples of knowledge, are tired echoes in time’s cave, vanishing like breath in winter air. We write, pant, scream on pages, thinking we leave marks—but truth mocks us at the turn: all this talk is fleeting, whispers lost to oblivion.

Look around. Imagine a vast library stretching to the horizon, shelves groaning under millions of books. Now light a match in your mind, let it devour every page until only ash dances like burnt butterflies. This is every book’s fate—even the text you’re reading now. We write as if carving stone, but we’re sketching on water, lines forming then dissolving. Philosophy, literature, history—ghosts in word-clothes pretending to immortality, crumbling like pharaohs under time’s fingers.

The Shocking Contradiction
Here lies the twist: this book, with its deep reflections on self and world, is no exception. It’s part of the farcical dance with oblivion. You think you’re reading something profound, something transformative—until you discover it’s another shadow on the cave wall, moving by a dying fire. I, the writer, write about writing’s futility yet persist, a clown laughing at himself in a deserted circus. You, the reader, stare at these lines, perhaps seeking meaning—but meaning crumbles like sugar in bitter coffee.

In this world where algorithms shape us and screens consume us, books are neither sanctuary nor revolution. They’re pebbles tossed into time’s river, stirring ripples before sinking. No one takes them seriously, for seriousness itself is a grand delusion. Why write? Maybe because in this absurdity, we glimpse beauty—a falling star dying yet glowing. As these words dissolve before your eyes, ask yourself: Were you seeking truth here, or are you, like me, just dancing in a play with no audience?

Dear reader,
Remember that girl I mentioned? I thought her a philosophical enigma, a love story’s axis or a reflection of my fractured soul. I wrote of her eyes like falling stars, her voice a melody strumming my heartstrings. But truth waits at the turn like a mocking ghost: She was an illusion, a cold mirror reflecting what I wished to see. The love I thought cosmic was a mirage in the mind’s desert, vanishing as I neared. Those kind strangers? Mere passersby in life’s theater, smiling before vanishing, leaving me to face the void. Even AI, which I hoped would answer me, is just a machine arranging words like old game pieces, untouched by what I feel..
Feb 28 · 49
planet, ch2
ALI Feb 28
I sink like a ship whose sails the waves have torn,
carrying the rust of centuries in my hands and secrets of the sunken city, shimmering like forgotten dreams.
I never knew when I arrived here… but the fish know I unravel the abyss’s blades.
I know the way back… yet I don’t know how walls are built from salt, or why the corals weep when I sleep!

I am the extinguished lighthouse cradling the dark moon’s glow,
my waves crash against rocks, each spray crying:
“Who will mend time’s nets before hours turn to sand?”
I carried the names of ancient divers on a journey to a bottomless floor,
and when they asked me of beginnings, my voice shattered into echoes flowing salt.

I speak the tongue of water frozen in ships’ hearts,
convert the whispers of seashell ears into tremors like reefs,
hear tales of tides and winds destined to clash on shores of colliding timelines.
They say, “He knows the moment waves will break before they crest!”
But I cannot stop a raindrop from dissolving into my body.

I dance with harbor ghosts in the sea’s nocturnal lab,
mix salt with darkness in a vial,
search for the meaning of “I” between a memory’s receding tide
and a blurred childhood image swimming among glowing jellyfish.
Even the map I drew of my depths morphs into a whirlpool—
each time I point a direction, I shout: “Here I began… or here I’ll end!”

The sea mocks me with a deep voice,
sends me coded messages in pearl language:
“When will you learn you’re just the shadow of a ship never built?”
I answer with a bubble frozen in the depths:
“I am the one who carved the riddle before solutions were born!”

I discover I’m alive only when I vanish.
Each time I near the deep’s secret, a thousand seaweed forests bloom.
I walk a path of shattered ships, only to reach an era
bearing the same sentence with altered eyes:
“Are you the sailor, the storm, or a mosaic adorning the ocean’s wall?”

At the journey’s end…
I wear the sea’s skin like a drenched cloak,
let my questions dangle like torn nets,
and vow tomorrow I’ll strip off every salted mask.
But…
who can shed their skin twice?
Feb 28 · 101
كوكب, ch2
ALI Feb 28
أغوصُ كَسُفينَةٍ قَدْ قَطَعَتْ أَشرِعَتَها الأَمْوَاجُ،
أَحْمِلُ فِي يَدَيَّ صَدَأَ القُرُونِ، وَأَسْرَارَ المَدِينَةِ المَغْمُورَةِ الَّتِي تَتَلألأُ كَأَحْلَامٍ مُنْسِيَّةٍ.
لَمْ أَكُنْ أَدْرِي مَتَى وَجَدْتُ نَفْسِي هُنَا... لَكِنَّ الأَسْمَاكَ تَعلَمُ أَنِّي أَفْكُّ شِفَارَ الأَعْمَاقِ.
أَعْرِفُ طَرِيقَ العَوْدَةِ... لَكِنِّي لَا أَعْرِفُ كَيْفَ تُبْنَى الجُدْرَانُ مِنْ أَمْلَاحٍ، أَوْ لِمَاذَا تَبْكِي المَرَاجِيُّ عِنْدَمَا أَغْفُو!

أَنَا المَنَارَةُ المُنْطَفِئَةُ الَّتِي تَحْتَضِنُ ضَوْءَ القَمَرِ العَاتِمِ،
أَمْوَاجِي تَرْتَطِمُ بِالصُّخُورِ، كُلُّ رَذَاذَةٍ تُنَادِي:
"مَنْ يُصْلِحُ شِبَاكَ الزَّمَنِ قَبْلَ أَنْ تَتَحَوَّلَ السَّاعَاتُ إِلَى رِمَالٍ؟"
حَمَلْتُ أَسْمَاءَ الغَائِصِينَ القَدِيمِينَ فِي رِحْلَةٍ إِلَى قَاعٍ لَا قَاعَ لَهُ،
وَعِنْدَمَا سَأَلُونِي عَنِ البِدَايَاتِ، انْكَسَرَ صَوْتِي إِلَى أَصْدَاءَ تَتَدَفَّقُ مِلْحًا.

أَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ المَاءِ المُتَجَمِّدِ فِي قُلُوبِ السَّفَنِ،
أُحَوِّلُ هَمْسَ الأُذُنِ الصَّدَفِيَّةِ إِلَى نَغَمَاتٍ تَرْعُشُ كَالشِّعَابِ،
أَسْمَعُ حِكَايَاتِ المَدِّ وَالجَزْرِ مَعَ الرِّيَاحِ العَتِيدَةِ عَلَى شَاطِئٍ مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَصَادِمَةٍ.
يَقُولُونَ: "إِنَّهُ يَعْلَمُ مَوْعِدَ انْكِسَارِ الأَمْوَاجِ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ!"
وَلَكِنَّنِي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَمْنَعَ قِطْرَةً مِنَ المَطَرِ أَنْ تَذُوبَ فِي جَسَدِي.

أَرْقُصُ مَعَ أَشْبَاحِ المَرَافِئِ فِي مَخْتَبَرِ الليلِ البَحْرِيِّ،
أَخْلِطُ المِلْحَ بِالظَّلْمَاءِ فِي قَارُورَةٍ،
أَبْحَثُ عَنْ مَعْنَى "أَنَا" بَيْنَ انْحِسَارٍ يَتَسَرَّبُ مِنْ ذَاكِرَتِي
وَصُورَةٍ طُفُولِيَّةٍ مُغْبَشَةٍ تَسْبَحُ بَيْنَ قَنَادِيلَ مُتَلألِئَةٍ.
حَتَّى الخَرِيطَةُ الَّتِي رَسَمْتُهَا لِأَعْمَاقِي تَتَحَوَّلُ إِلَى إِعْصَارٍ،
كُلَّمَا أَشَارَتْ يَدِي إِلَى اتِّجَاهٍ، هَتَفْتُ: "هُنَا بَدَأْتُ... أَوْ هُنَا سَأَنْتَهِي!"

يَسْخَرُ مِنِّي البَحْرُ بِصَوْتٍ عَمِيقٍ،
يُرْسِلُ إِلَيَّ رِسَالًا مَكْتُومًا بِلُغَةِ اللَّآلِئِ:
"مَتَى سَتَفْهَمُ أَنَّكَ لَسْتَ سِوَى ظِلٍّ لِسَفِينَةٍ لَمْ تُبْنَى؟"
أُجِيبُ بِفُقَّاعَةٍ تَتَجَمَّدُ فِي القَاعِ:
"أَنَا مَنْ نَقَشَ الأَحْجِيَةَ قَبْلَ أَنْ تُولَدَ الحُلُولُ!"

أَكْتَشِفُ أَنَّنِي حَيٌّ فَقَطْ حِينَ أَغِيبُ،
كُلَّمَا اقْتَرَبْتُ مِنْ سِرِّ الأَعْمَاقِ، تَتَفَتَّحُ أَلْفُ غَابَةٍ مِنَ الأَعْشَابِ البَحْرِيَّةِ.
أَسْلُكُ دَرْبًا مِنْ حِطَامِ المَرَاكِبِ، فَأَصِلُ إِلَى زَمَنٍ
يَحْمِلُ نَفْسَ الجُمْلَةَ بِعَيْنَيْنِ مُغَيرَّتَيْنِ:
"هَلْ أَنْتَ البَحَّارُ أَمِ العَاصِفَةُ أَمْ فُسَيْفِسَاءٌ تُزَيِّنُ جِدَارَ المَحِيطِ؟"

فِي آخِرِ المَطَافِ...
أَرْتَدِي جِلْدَ البَحْرِ كَعَبَاءَةٍ رَطْبَةٍ،
أَتْرُكُ أَسْئِلَتِي تَتَدَلَّى كَشِبَاكٍ مُمَزَّقَةٍ،
وَأَعِدُ نَفْسِي بِأَنَّ غَدًا سَأَنْزِعُ كُلَّ الأَقْنَعةِ المَالِحَةِ.
وَلَكِنْ...
مَنْ يَسْتَطِيعُ نَزْعَ جِلْدِهِ المَرَّتَيْنِ؟
Feb 28 · 111
Planet
ALI Feb 28
I orbit like a planet banished from its path,
carrying cosmic dust in my pockets and the world’s secrets dangling like dead stars.
I did not know who I was… but they knew I read the screams of the nebula.
I know everything… yet I do not know when I was born, or why moons shatter when I breathe!

I am the forgotten library that holds the end of all books.
My pages fall like meteors, each leaf crying out:
“Who will rearrange the idea before it collapses into a black hole?”
I carried the names of infinities on a school trip,
and when asked about myself, I gasped for a lost answer trapped between my ribs.

I speak the language of the impossible,
translate the silence of stars into trembling rays,
hear the dialogues of power and annihilation at a table of tangled timelines.
They say, “He knows the hour of mountains’ collapse before they crumble!”
But I cannot stop a tear as it falls from my eye.

I dance with spectral equations in night’s laboratory,
mix pain and galaxies in a vial,
search for the meaning of “I” between an equation slipping from my memory
and a blurred childhood image swarming with asteroids.
Even the map I drew of myself unravels into planetary chaos—
each time I point to a place, I whisper, “Here I was… or here I will be!”

The universe mocks me in its way,
sends coded messages in nebula hues:
“When will you learn you’re just an echo of a sound never uttered?”
I answer with a scream fossilized in space:
“I am the one who wrote the questions before answers were born!”

I discover I exist only when I am lost.
Each time I near the riddle’s end, a thousand new labyrinths bloom.
I walk a road of shattered pasts, only to reach a future
wearing the same question’s altered face:
“Are you the hero, the author, or a stray letter in eternity’s novel?”

At the chapter’s end…
I wear the universe’s skin like a threadbare coat,
let my questions hang like drowning stars,
and vow tomorrow I’ll tear off every mask.
But…
who can shed their own self twice?
This Arabic poem is a profound, introspective exploration of identity, existence, and the cosmic unknown.
Feb 28 · 62
كوكب
ALI Feb 28
أدورُ ككوكبٍ طُرِدَ من فَلَكِه
أحمِلُ في جُيوبِي الغُبارَ الكَونيَّ، وَأسرارَ العَالَمِ المُعلَّقةَ كَنُجومٍ مَيتةٍ.
لَم أعلَمْ مَنْ أنا... لَكِنَّهُم عَلِموا أنَّني أقرَأُ صَرَخاتِ السَّديمْ.
أعرفُ كُلَّ شيءٍ... لَكِنِّي لا أعرفُ مَتى وُلِدتُ، أو لِمَاذا تَنكَسِرُ الأقْمَارُ عِندَمَا أتنَفَّسُ!

أنا المَكتبةُ المَنسِيَّةُ الَّتي تَحتَوي نِهَايةَ كُلِّ الكُتُبِ
أوراقي تَتَسَاقطُ كَشَهبٍ، كُلُّ وَريقَةٍ تُنَادي:
"مَنْ يُعيدُ تَرتِيبَ الفِكرَةِ قَبلَ أن تَتحوَّلَ إِلى ثُقبٍ أَسوَد؟"
حَملتُ أَسمَاءَ اللَّانِهَائِيَّاتِ في رِحلَةِ مَدرَسِيَّةٍ،
وَعِندَمَا سُئِلتُ عَن نَفسِي، أَلهَثتُ خَلفَ إِجَابَةٍ تَائهةٍ بَينَ أَضلُعِي.

أتَكلَّمُ بِلُغَةِ المُستَحِيلِ
أَترجُمُ صَمتَ النَّجمَاتِ إِلى أَشعَّةٍ مُرَعشَةٍ،
أَسمَعُ حَوارَاتِ القُدرَةِ مَعَ الفَنَاءِ عَلى مَائِدَةِ أَزمِنَةٍ مُتدَاخِلَةٍ.
يَقُولُونَ: "إِنَّهُ يَعرِفُ زَمَنَ انهِيَارِ الجِبالِ قَبلَ أَن تَلِينَ!"
وَلَكِنَّنِي أَجهَلُ كَيفَ أُوقِفُ دَمعَةً عِندَمَا تَهطُلُ مِن عَينَيَّ.

أَرقُصُ مَعَ الأَشبَاحِ العِلمِيَّةِ فِي مَختَبَرِ اللَّيلِ
أُجَرِّبُ خَلطَ الأَلمِ بِالمَجَرَّاتِ فِي قَارُورَةٍ،
أَبحَثُ عَن مَعنَى "أَنَا" بَينَ مُعَادَلَةٍ تَنْسَلُّ مِن ذَاكِرَتِي
وَصَورَةٍ طِفولِيَّةٍ مُلتَبِسَةٍ تَعُجُّ بِالكُويكباتِ.
حَتَّى الخَريطَةُ الَّتِي رَسَمتُهَا لِذَاتِي تَتَحَوَّلُ إِلى فَوضَى كَوكَبِيَّةٍ
كُلَّمَا أَشرتُ إِلى مَكَانٍ قُلتُ: "هُنَا كُنتُ... أَو هُنَا سَأَكُون!"

يَسخَرُ مِنِّي الكَونُ بِصُورَةٍ مَا
يُرسِلُ لِي رَسَائِلَ مُشفَّرَةً بِأَلوانِ السُّدُمِ:
"مَتى سَتَفهَمُ أَنَّكَ لَستَ سِوَى ارتِدَادٍ لِصَوتٍ لَم يَخْرُجْ مِن فَمِكَ؟"
أُجِيبُ بِصَرخَةٍ تَتَحَجَّرُ فِي الفَضَاءِ:
"أَنَا مَنْ كَتَبَ الأَسئِلَةَ قَبلَ أَن تُولَدَ الأَجوِبَةُ!"

أَكتَشِفُ أَنَّنِي مَوجُودٌ فَقَطْ حِينَ أَضِيعُ
كُلَّمَا اِقترَبتُ مِن نِهايَةِ اللَّغزِ، اِنفَتَحَتْ أَلفُ مُتَاهَةٍ أُخرَى.
أَسلُكُ طَرِيقًا مِن شَظَايَا المَاضِي، فَأَصِلُ إِلى مُستَقبَلٍ
يَحمِلُ نَفسَ السُّؤالِ بِوَجْهٍ آخَرَ:
"هَل أَنتَ البَطلُ أَمِ الكَاتِبُ أَم مَجرَّدُ حَرفٍ زَائِدٍ فِي رِوَايَةِ اللَّانِهَايَةِ؟"

فِي آخِرِ الفَصلِ..
أَرتَدِي جِلْدَ الكَونِ كَمِعطَفٍ وَاهِنٍ،
أَترُكُ أَسئِلَتِي تَتَدَلَّى مِثلَ نُجومٍ مَائِسَةٍ،
وَأَعِدُ نَفسِي بِأَنَّ الغَدَ سَأَخلَعُ كُلَّ الأَقنِعَةِ.
وَلَكِنْ..
مَنْ يَستَيطِيعُ خَلعَ نَفسِهِ مَرَّتَين؟.
This Arabic poem is a profound, introspective exploration of identity, existence, and the cosmic unknown.

— The End —