Submit your work, meet writers and drop the ads. Become a member
Feb 28
أغوصُ كَسُفينَةٍ قَدْ قَطَعَتْ أَشرِعَتَها الأَمْوَاجُ،
أَحْمِلُ فِي يَدَيَّ صَدَأَ القُرُونِ، وَأَسْرَارَ المَدِينَةِ المَغْمُورَةِ الَّتِي تَتَلألأُ كَأَحْلَامٍ مُنْسِيَّةٍ.
لَمْ أَكُنْ أَدْرِي مَتَى وَجَدْتُ نَفْسِي هُنَا... لَكِنَّ الأَسْمَاكَ تَعلَمُ أَنِّي أَفْكُّ شِفَارَ الأَعْمَاقِ.
أَعْرِفُ طَرِيقَ العَوْدَةِ... لَكِنِّي لَا أَعْرِفُ كَيْفَ تُبْنَى الجُدْرَانُ مِنْ أَمْلَاحٍ، أَوْ لِمَاذَا تَبْكِي المَرَاجِيُّ عِنْدَمَا أَغْفُو!

أَنَا المَنَارَةُ المُنْطَفِئَةُ الَّتِي تَحْتَضِنُ ضَوْءَ القَمَرِ العَاتِمِ،
أَمْوَاجِي تَرْتَطِمُ بِالصُّخُورِ، كُلُّ رَذَاذَةٍ تُنَادِي:
"مَنْ يُصْلِحُ شِبَاكَ الزَّمَنِ قَبْلَ أَنْ تَتَحَوَّلَ السَّاعَاتُ إِلَى رِمَالٍ؟"
حَمَلْتُ أَسْمَاءَ الغَائِصِينَ القَدِيمِينَ فِي رِحْلَةٍ إِلَى قَاعٍ لَا قَاعَ لَهُ،
وَعِنْدَمَا سَأَلُونِي عَنِ البِدَايَاتِ، انْكَسَرَ صَوْتِي إِلَى أَصْدَاءَ تَتَدَفَّقُ مِلْحًا.

أَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ المَاءِ المُتَجَمِّدِ فِي قُلُوبِ السَّفَنِ،
أُحَوِّلُ هَمْسَ الأُذُنِ الصَّدَفِيَّةِ إِلَى نَغَمَاتٍ تَرْعُشُ كَالشِّعَابِ،
أَسْمَعُ حِكَايَاتِ المَدِّ وَالجَزْرِ مَعَ الرِّيَاحِ العَتِيدَةِ عَلَى شَاطِئٍ مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَصَادِمَةٍ.
يَقُولُونَ: "إِنَّهُ يَعْلَمُ مَوْعِدَ انْكِسَارِ الأَمْوَاجِ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ!"
وَلَكِنَّنِي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَمْنَعَ قِطْرَةً مِنَ المَطَرِ أَنْ تَذُوبَ فِي جَسَدِي.

أَرْقُصُ مَعَ أَشْبَاحِ المَرَافِئِ فِي مَخْتَبَرِ الليلِ البَحْرِيِّ،
أَخْلِطُ المِلْحَ بِالظَّلْمَاءِ فِي قَارُورَةٍ،
أَبْحَثُ عَنْ مَعْنَى "أَنَا" بَيْنَ انْحِسَارٍ يَتَسَرَّبُ مِنْ ذَاكِرَتِي
وَصُورَةٍ طُفُولِيَّةٍ مُغْبَشَةٍ تَسْبَحُ بَيْنَ قَنَادِيلَ مُتَلألِئَةٍ.
حَتَّى الخَرِيطَةُ الَّتِي رَسَمْتُهَا لِأَعْمَاقِي تَتَحَوَّلُ إِلَى إِعْصَارٍ،
كُلَّمَا أَشَارَتْ يَدِي إِلَى اتِّجَاهٍ، هَتَفْتُ: "هُنَا بَدَأْتُ... أَوْ هُنَا سَأَنْتَهِي!"

يَسْخَرُ مِنِّي البَحْرُ بِصَوْتٍ عَمِيقٍ،
يُرْسِلُ إِلَيَّ رِسَالًا مَكْتُومًا بِلُغَةِ اللَّآلِئِ:
"مَتَى سَتَفْهَمُ أَنَّكَ لَسْتَ سِوَى ظِلٍّ لِسَفِينَةٍ لَمْ تُبْنَى؟"
أُجِيبُ بِفُقَّاعَةٍ تَتَجَمَّدُ فِي القَاعِ:
"أَنَا مَنْ نَقَشَ الأَحْجِيَةَ قَبْلَ أَنْ تُولَدَ الحُلُولُ!"

أَكْتَشِفُ أَنَّنِي حَيٌّ فَقَطْ حِينَ أَغِيبُ،
كُلَّمَا اقْتَرَبْتُ مِنْ سِرِّ الأَعْمَاقِ، تَتَفَتَّحُ أَلْفُ غَابَةٍ مِنَ الأَعْشَابِ البَحْرِيَّةِ.
أَسْلُكُ دَرْبًا مِنْ حِطَامِ المَرَاكِبِ، فَأَصِلُ إِلَى زَمَنٍ
يَحْمِلُ نَفْسَ الجُمْلَةَ بِعَيْنَيْنِ مُغَيرَّتَيْنِ:
"هَلْ أَنْتَ البَحَّارُ أَمِ العَاصِفَةُ أَمْ فُسَيْفِسَاءٌ تُزَيِّنُ جِدَارَ المَحِيطِ؟"

فِي آخِرِ المَطَافِ...
أَرْتَدِي جِلْدَ البَحْرِ كَعَبَاءَةٍ رَطْبَةٍ،
أَتْرُكُ أَسْئِلَتِي تَتَدَلَّى كَشِبَاكٍ مُمَزَّقَةٍ،
وَأَعِدُ نَفْسِي بِأَنَّ غَدًا سَأَنْزِعُ كُلَّ الأَقْنَعةِ المَالِحَةِ.
وَلَكِنْ...
مَنْ يَسْتَطِيعُ نَزْعَ جِلْدِهِ المَرَّتَيْنِ؟
ALI
Written by
ALI  23/M/France
(23/M/France)   
  105
 
Please log in to view and add comments on poems